فلسفة الإبقاء والجمود: توجه وزير العمل لتمديد الخدمة صراع بين سلطة الماضي وحق الشباب في قيادة المستقبل

التوجه المقترح من وزير العمل خالد البكار بشأن تمديد خدمة الموظفين الحكوميين بعد إكمالهم لثلاثين عامًا من الخدمة الفعلية يمثل انزلاق خطير يغفل البعد الفلسفي الأكثر عمق للوظيفة العامة متجاوزا بذلك مجرد الحسابات الاقتصادية ليصبح تهديد مباشر للتدوير المؤسسي لفرص القيادة .
فالثلاثون عام يجب أن تكون حدا فاصلا يحترم حق الأجيال المتعاقبة في تولي دفة القيادة والإدارة والإبقاء التلقائي على الجيل القديم حتى بعد تجاوز السن القصوى للتقاعد المعتاد هو فعليا انتصار للتاريخ على المستقبل وتكريس لما يُطلق عليه سلطة الماضي داخل البيروقراطية فالمؤسسة العامة ليست كيانً جامد بل هي نهر متدفق يجب أن تُغذيه باستمرار دماء جديدة ورؤى متطورة.
هذا المقترح ان تم تطبيقه يهدد بشكل مباشر تجميد عملية الإحلال الإداري مما يُنشئ احتكار هيكلي لمناصب القيادة وهذا الاحتكار سيُبقي على المناصب الحيوية محجوزة لجيل قد يكون قد استنفد أقصى طاقاته في الابتكار والتجديد والرقمنة وتلك هي الطاقات التي أصبحت حتمية لمواجهة تحديات العصر السريعة خصوصًا في مشاريع تتطلب مرونة فائقة والنتيجة المتوقعة هي تحويل الجهاز الحكومي إلى كيان يتسم بـالجمود والبيروقراطية المفرطة مما يقلل من سيولة الكفاءات ويُضعف قدرته على الاستجابة.
ولا يمكن التعلل بالخبرة كقيمة مطلقة فالخبرة يجب أن تُنقل لا أن تحتكر وتخزن والنظرة الفلسفية السليمة ترى أن وظائف القطاع العام ليست ملك شخصي للموظف بل هي أمانة لخدمة المجتمع وآلية ضرورية لإعادة توزيع الفرص على أساس زمني منظم يعزز التمكين الشبابي ويقلل من الاحتقان الاجتماعي الذي ينجم عن تهميش طبقة المثقفين العاطلين عن العمل فالعدالة الاجتماعية تقتضي أن تُمنح الفرصة لأجيال جديدة تمتلك المعرفة الحديثة والرغبة في التطبيق.
على النقيض من هذه الرؤية المحلية الضيقة تدرك الدول الناجحة إداريا أن التداول الوظيفي هو أساس القوة فمثلاً في كندا أو هولندا يتم تطبيق آليات دقيقة للتقاعد المُبكّر الاختياري والتقاعد الإلزامي عند سن محددة لضمان أن تبقى المؤسسات الحكومية قادرة على التجديد والتكيف دون الحاجة إلى تشريعات تفرض البقاء قسرا وهذا ما يجعل أنظمتهم الإدارية تتمتع بـسيولة كفاءات عالية.
وما يزيد من حدة النقد هو التناقض الملحوظ في خطاب البكار نفسه حيث أصر قبل عدة أشهر على إحالة شخصيات قيادية في وزارة العمل للتقاعد بحجة ضخ دماء جديدة بينما يُطالب الآن بتمرير قرار يعزز الإبقاء على الجيل القديم وهذا يُظهر تباينا في تطبيق مبدأ ضخ الدماء الجديدة وفقا للحالة وليس وفقا لمبدأ إداري ثابت وهو ما يُفقد الخطاب مصداقيته الفلسفية فالقرار المقترح هو في حقيقته رؤية اقتصادية قصيرة المدى تُضحي بحقوق جيل المستقبل في التمكين من أجل استدامة زائفة للخبرات القديمة.


















