+
أأ
-

فيجا أبو شربي تكتب : فقرُ الفكر… وفكرُ الفقر

{title}
بلكي الإخباري

 

مشكلة المجتمعات ليست في نقص الموارد بقدر ما هي في نقص الأفكار. فقر الفكر أخطر من فقر الجيوب، لأنه الأصل الذي يتولّد عنه كل شيء لاحقًا. مجتمعٌ فقير في أفكاره سيبقى يدور في الحلقة نفسها مهما امتلك من المال، ومهما كثرت فيه المشاريع.

فقر الفكر يظهر حين تتوقف الأسئلة، وحين يصبح تكرار الماضي أسهل من تخيّل المستقبل. يظهر حين يتعامل الناس مع الأفكار كأنها كماليات، وحين تنشغل العقول بالبحث عن النجاة لا البحث عن الطريق. يظهر في تلك الفترة التي يختفي فيها الإبداع، ويخفت فيها صوت المثقف الحقيقي، وتُستبدل الكتب بمنصّات التواصل الاجتماعية ، ويصبح الرأي الجاهز بديلاً عن التفكير.

أما فكر الفقر فهو شيء آخر تمامًا. إنه الذهنية التي يصنعها العوز الطويل، حين يتعلّم الإنسان أن يعيش بحدود يومه، وأن يخاف من التجربة، وأن يهرب من المجازفة، وأن يرضى بالقليل لأنه يخشى فقدان ما هو أقل. فكر الفقر يربّي الحذر، ويغذّي الخوف، ويمسخ الطموح. يجعل كل فكرة جديدة عبئًا، وكل تغيير مخاطرة غير ضرورية، وكل فرصة بابًا محتملًا للضرر.

وعندما يجتمع فقر الفكر مع فكر الفقر، تتشكّل الحلقة الأخطر:

مجتمعٌ لا ينتج فكرة، وأفرادٌ لا يستقبلون فكرة.

سلطةٌ لا تؤمن بالإبداع، وناسٌ يخافون من الإبداع.

هنا تتجمد الحياة، ولو تدفّق المال.

لكن الأسوأ من الفقرين معًا أن يعتقد الناس أن الفقر هو قدر ومكتوب ، وأن الفكر لا يصلح مع الفقر. الحقيقة أن البداية دائمًا من العقل: من فكرة صغيرة، من سؤال مختلف، من جملة تُقال في اللحظة المناسبة فتوقظ شيئًا كان نائمًا. الفكرة حين تأتي تُعيد ترتيب كل شيء، وتفتح أبوابًا ما كانت تُرى أصلًا.

المجتمعات التي نهضت لم تنهض لأنها أغنى، بل لأنها كانت أجرأ في التفكير. لأنها آمنت بأن الإنسان يُقاس بما يعرف، وبقدرته على تحويل المعرفة إلى واقع. لأن الفكر حين يزدهر يطرد فكر الفقر، ويحرر الإنسان من الخوف، ويجعله يرى أن الحياة أكبر من حدود الضرورة.

ليس المطلوب أن نملك الكثير، بل أن نعرف كيف نفكّر في القليل. الفكرة هي الثروة التي تبقى، وهي التي تصنع كل الثروات الأخرى. وعندما يتحرر العقل من فكر الفقر، يصبح الطريق مفتوحًا لأن ينهزم فقر الفكر نفسه، وتبدأ دورة جديدة من الوعي والنهوض.