آلة السمسمية صوت البحر الذي لا يغيب عن العقبة

تُعد آلة السمسمية في العقبة أحد أبرز الملامح الفنية التي حافظت على حضورها في وجدان المجتمع البحري، لتشكل رابطا حيا بين الأجيال وتراث المدينة الذي ما يزال نابضا رغم الحداثة والتطور.
وارتبط هذا الإرث الموسيقي، تاريخيا بالبحارة والصيادين، وتجاوز دوره كأداة طرب ليصبح جزءا من الهوية الثقافية للعقبة، وصوتا يروي حكايات البحر وأهله.
السمسمية ذات الأوتار الخمسة أو السبعة، ليست مجرد آلة موسيقية بل ذاكرة صوتية تحمل أهازيج البحر، وأناشيد الفرح، ونبض السمر على الشاطئ حيث كانت أغاني السمسمية ترافق البحار في رحلاته الطويلة، ترفع من معنوياته، وتجمع الرفاق حول نبض موسيقاها الدافئ مع كل مساء يعودون فيه لميناء العقبة.
ورغم حداثة المشهد السياحي في المدينة، إلا ان التراث البحري في العقبة لا يزال حاضرا عبر الفرق الشعبية التي تحافظ على السمسمية كفن أصيل، وتوثقه في المهرجانات والفعاليات التراثية.
لا تقدّم السمسمية كعروض موسيقية فحسب، بل كطقس اجتماعي متجذر، فهي حاضرة في المناسبات الوطنية، والاحتفالات الشعبية، وفي ساحات العقبة القديمة التي ما تزال تحمل عبق الزمن البحري.
وتبذل مؤسسات ثقافية وجهات أهلية في العقبة جهودا لحماية هذا التراث من الاندثار، من خلال دعم الفرق التراثية.
من جانبه، أكد مدير مديرية ثقافة العقبة طارق البدور في حديث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن المديرية تولي اهتماماً كبيراً بتوثيق وحماية آلة السمسمية باعتبارها جزءاً أصيلاً من الهوية البحرية والموسيقية لمدينة العقبة.
وأوضح أن السمسمية التي دخلت إلى المدينة من الجزيرة العربية، ما تزال تحافظ على حضورها الشعبي، حيث تُعد من الآلات التي يمكن لأي عازف صناعتها وتعلمها بسهولة، وهو ما عزز انتشارها بين مختلف الفئات.
وبيّن البدور أن المديرية عملت بالتعاون مع عدد من الجهات الثقافية، على إعداد قاعدة بيانات شاملة ترصد أجيال العارفين والعازفين على آلة السمسمية في العقبة، حيث يُقدر عددهم بنحو 60 عازفاً من مختلف الأعمار، ما يعكس غنى هذا الموروث واستمراريته.
وأشار إلى أن وزارة الثقافة كانت قد أطلقت قبل عامين "بيت السمسمية" في العقبة، وهو مشروع يسعى إلى ترسيخ حضور هذه الآلة من خلال ثلاثة محاور رئيسية: إعداد منهج أكاديمي تدريسي يسهم بتعليم السمسمية بأسس واضحة، وتنظيم برامج تدريبية للشباب والفتيات من مختلف الأعمار، ودعم العازفين والاهتمام بتطوير مهاراتهم وحضورهم الفني.
وأضاف البدور أن مديرية ثقافة العقبة نفذت خلال عامي 2023 و2024 وحتى العام الحالي سلسلة واسعة من الفعاليات التدريبية، التي شهدت إقبالاً لافتاً، خصوصاً من الفتيات.
كما أقيمت ورش متخصصة في صناعة آلة السمسمية لتمكين المهتمين من تعلم كيفية صناعتها والتعرف على مكوناتها، بما يسهم بالحفاظ على هذا التراث الموسيقي وتعزيزه.
بدوره، قال سفيان جاسر وهو من أبرز وأقدم عازفي السمسمية في العقبة إن التعامل مع آلة السمسمية يقوم على أساس أنها آلة تراثية قبل أن تكون مجرد آلة موسيقية، لما تمثله من قيمة ثقافية مرتبطة بالهوية البحرية للمنطقة.
وبين أن السمسمية التقليدية ذات الستة أوتار تعزف على مقام واحد يبدأ من درجة "دو" وينتهي عند "لا"، أي بسلم موسيقي محدود النطاق، وهو ما يميز طبيعتها التراثية رغم تطور الموسيقى الحديثة.
وأضاف جاسر أن السمسمية تتوارث جيلاً بعد جيل باعتبارها جزءاً من ملامح المنطقة الثقافية، مشيراً إلى أنه قام بتطوير نسخة حديثة من الآلة، رافعاً عدد أوتارها من 6 إلى 19 وتراً، ما أتاح توسيع المساحة الموسيقية التي يمكن للعازف أداؤها، لتصبح قادرة على عزف مختلف المقامات، بخلاف السمسمية التقليدية.
وتستمر السمسمية في العقبة كجسر بين الماضي والحاضر، وكتبت المدينة من خلالها ملامح شخصيتها البحرية مدينة هادئة، موسيقية، تحمل في كل زاوية من شاطئها قصة، وفي كل نغمة من أوتارها حياة، ورغم التطور العمراني والاقتصادي، يبقى التراث البحري شاهدًا على أصالة المكان وروح أهله، وحكاية لا يمكن للزمن أن يمحوها.
















