د عاطف نايف زريقات يكتب : حين يحكم العالم منطق القوة والمصالح لا قوة الحق

الرجوع إلى التاريخ ليس ترفاً فكرياً بل ضرورة لفهم الحاضر وكشف أوهام العدالة الدولية وهو ما نشاهده الان بما يجري في غزه ٠
تُعد أحداث عام 1956 نموذجاً صارخاً لازدواجية المعايير التي حكمت ولا تزال تحكم النظام الدولي .
في مذكراته يكشف أنطوني إيدن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جانباً مهماً من العقل الاستعماري الغربي خلال العدوان الثلاثي على مصر . فبينما سارعت أغلبية دول العالم إلى إدانة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في الأمم المتحدة لفت إيدن إلى حالة السكون العربي الممتدة من المحيط إلى الخليج في وقت كانت فيه الأساطيل الغازية تتحرك بلا مقاومة تُذكر .
الأخطر في شهادة إيدن ليس توصيفه للمشهد العسكري بل اعترافه الضمني بالخوف من انتصار جمال عبد الناصر فقد أدركت القوى الاستعمارية ومعها الأنظمة العربية أن عبد الناصر إذا خرج منتصراً دون كبح فسيصبح قائداً عربياً جامعاً وهو ما حدث بالفعل بعد فشل العدوان حين تحول إلى رمز قومي وتُوِّج ذلك بالوحدة المصريةالسورية عام 1958
هذه الوحدة رغم قِصر عمرها كانت كابوساً لإسرائيل وللغرب وتهديداً وجودياً لأنظمة الحكم العربية القائمة لأنها استندت إلى إرادة شعبية جارفة من اجل الوحده العربيه لا إلى صفقات فوقية ولم يكن تفكيكها عام 1961 نتاج مؤامرات خارجية فقط بل أيضاً نتيجة أخطاء داخلية قاتلة أبرزها الاستعلاء الإداري والعسكري المصري وتجاهل الخصوصيات الوطنية السوريه وسوء إدارة عبدالحكيم عامر رئيس إقليم الشمال اي سوريا
في التوقيت ذاته كانت الثورة المجرية تُسحق بالدبابات السوفيتية قُتل عشرات الآلاف واختُطف رئيس الوزراء المجري وأُعدم لاحقاً ورغم قرارات الإدانة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تُجبَر موسكو على الانسحاب لأن المجر كانت بحسب التوازنات الدولية ضمن الحصة السوفيتية بعد الحرب العالمية الثانية ٠
المفارقة الفاضحة أن الغرب الذي دان الاتحاد السوفيتي في المجر ضغط في الوقت ذاته على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل للانسحاب ورغم فشل العدوان الثلاثي على مصر حصلت إسرائيل على مكسب استراتيجي تمثل بحرية الملاحه في مضائق تيران بضمانه اميركيه وهو ما اعتبرته اسرائيل لاحقاً حقاً مكتسباً واستخدمته ذريعه في حرب حزيران 1967 عندما اغلقت مصر المضائق وسحبت قوات الطوارئ الدوليه لم تَقُم اميركا بالضغط على دول العدوان الثلاثي دفاعاً عن القانون الدولي بل لأنها رأت أن العدوان تم دون تنسيق معها ورأت في ذلك فرصه تاريخيه لإنهاء الوجود البريطاني والفرنسي واحلال نفوذها محله في الشرق الأوسط
سقط القناع فلا القيم تحكم السياسة الدولية ولا القرارات الأممية تصنع العدالة بل ميزان القوة والمصلحة فحيث توجد قوة تحمي الحق يُسمع صوته وحيث يغيب السند تُدفن القضايا مهما كانت عادلة فالعالم تحكمه موازين القوه وليس عدالة القضليا وهكذا درس السويس والمجر درس لكل زمان لأخذ العبر



















