صوبة الشموسة …. التفكك السياسي والمطالبة بالمساءلة المؤسسية. #عاجل

كتب الناشر - حادثة صوبة الشموسة التي أودت بحياة مواطنين أبرياء لا يجب أن تقرأ على أنها مجرد مأساة فردية أو نتيجة لخطأ في السلامة العامة بل هي مؤشر بالغ الدلالة يكشف عن شقوق عميقة في البنية الاجتماعية والاقتصادية ويعرّي فشل السياسات العامة في الوفاء بأبسط التزامات العقد الاجتماعي بين الحكومة والمواطن.
لم يعد الفقر في هذا السياق مجرد نقص في الدخل بل تحول إلى استبعاد بنيوي فاعتماد أسرة على وسيلة تدفئة خطرة وغير آمنة مثل الشموسة بل والأسوأ من ذلك الاعتماد مثلا على حرق النفايات والأحذية والبلاستيك الذي يشكل اعتداء صحياً وبيئياً مزدوجاً … هو شهادة على وصول هذه الأسر إلى الهامش الصفري في خريطة التوزيع الاجتماعي .
بعلم الفلسفة يعكس هذا الواقع إخفاق الحكومة في ضمان الحق في البقاء الآمن وهو حق جوهري يسبق الحق في التعليم والعمل او اقامة مدينة جديدة !!! وفي علم السسيولوجيا تمثّل الشموسة نقطة تقاطع بين الطبقة الاجتماعية وسياسات الطاقة حيث يُجبر المواطن الفقير على المفاضلة بين سلامة عائلته وميزانية بقائها على قيد الحياة فهذا الاستبدال القسري للغاز الآمن برخص ثمن الشموسة هو عملية تجريد من الخيار .
و عمق المأساة هنا يفرض تجاوز مستوى التحليل البنيوي إلى مستوى المساءلة المؤسسية المباشرة فصوبة الشموسة لا تشتعل في فراغ بل تشتعل تحت إشراف منظومة رقابية فاشلة كان لزاماً عليها أن تضمن سلامة المنتج وتوفر بدائل آمنة وميسورة الكلفة وهذا لزام على وزير الصناعة والتجارة ومديرة المواصفات والمقاييس وضع استقالتهم أمام الرئيس قبل البدء بأي إجراء لأن وجود هذه الصوبة الرخيصة والخطرة وانتشارها الواسع في السوق هو إقرار بفشل ذريع في الحوكمة الوقائية
وفشل وزارة الصناعة والتجارة يتمثل في الإخفاق في ضمان توفير منتجات طاقة آمنة بأسعار تنافسية تلغي الحاجة إلى بدائل الموت هذا الفشل المتكرر يعرّي غياب التخطيط الاقتصادي الذي يأخذ بعين الاعتبار أثر سياسات الطاقة على الطبقات الدنيا .
اما فشل مؤسسة المواصفات والمقاييس يتمثل في إخفاقها بالرقابة الفعلية على جودة وسلامة الأجهزة التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر مما سمح بتسليع الموت وبيع منتج لا يحقق الحد الأدنى من شروط السلامة العامة.
فالمطالبة بالاستقالة هنا ليست مجرد رد فعل عاطفي بل هي متطلب أساسي لإعادة تأسيس مبدأ المحاسبة السياسية ففي ظل تفكك العقد الاجتماعي تبقى المسؤولية الوزارية هي آخر خط دفاع ضد تحول الفشل الإداري إلى كوارث إنسانية.















