+
أأ
-

منى الغانم تكتب: حلم ليلةِ"شتاء"باردة!

{title}
بلكي الإخباري

 

الأحلام تتحول أحيانًا إلى واقع، إذا امتلكنا الشجاعة لملاحقتها.”

من أجمل ما عبَّر عنه شكسبير في مسرحيته الشهيرة “حلم ليلة صيف”

أما أنا فلدي "حلم ليلة شتاء" باردة..بل باردة جدًا يراودني. 

حيث وذات ليلة شتاء باردة خرجت الى شوارع المدينة فاذا بها جميلة ومعبَّدة تزينها الأزهار والأشجار التي أضفت بظلالها من كل جانب على أطراف الطرقات. 

الطرق مرصوفة بأناقة لا تشوبها شائبة، وكل شارع يتنفس النظام والجمال. الأرصفة نظيفة تمامًااا، والاطراف خالية من النفايات والغبار والحفريات والضوضاء كما لو أن المدينة تغفو على تسبيح الملائكة. 

المطر يتساقط بغزارة بينما تنساب المياه في نافورات (ليست طائشة) بل متناغمة تعكس عتمة السماء الصافية. المنازل والمباني مصممة بعناية، واجهاتها مزينة بألوان متناسقة ونوافذ تلمع بالنظافة، وكأن المدينة كلها قطعة فنية مرسومة بريشة دافنشي.

المدينة جميلة، والمباني متناسقة، والحركة هادئة، والنظام يلمس كل زاوية. هنا النظافة والجمال ليسا رفاهية، بل أسلوب حياة يجعل كل خطوة متعة وكل منظر لوحة فنية.

تسير حركة المرور بكل سلاسة، ولا يُسمع اي صوت للزوامير والصراخ سوى همس الطبيعة والطيور وأصوات الناس في أجواء هادئة ومريحة. الحدائق العامة مزهرة، ومساحات العشب الأخضر ممتدة، مع مقاعد مرتبة بعناية حيث يمكن للزوار الاستراحة، كما ان النظام في المدينة تم تصميمه لركن سيارتك في الأماكن المظللة والمخصصة للاصطفاف بكل سهولة تحت مظلات صممت خصيصا من ألواح توليد الطاقة كل لوحة ليست مجرد جهاز، بل نقطة تلاقٍ بين الضوء والطاقة، بين الطبيعة والتكنولوجيا، حيث يتحول الضوء إلى قوة حقيقية تضيء حياة البشر بطريقة صامتة ومستدامة.

هوية فريدة ومزيج متناغم بين العراقة والحضارة، وروح المدينة تلتقي مع تراثها في مناظر خلابة تعكس الاصالة والحداثة في آنٍ واحد.

أما عن سكان المدينة فهم يحيون عالمهم بين الصفحات والكلمات، يمضون ساعاتهم مستغرقين في الكتب كما لو أنهم يستكشفون أراضٍ مجهولة. أو يتسامرون في المقاهي والمطاعم والحدائق، ترى العيون مركزة على السطور، أو بين الأروقة، والابتسامة ترتسم عندما تلتقي عينيك بأعينهم .انهم يعيشون في انسجام مع محيطهم، هادئين في كل حركة ونبرة كلام. ترى خطواتهم متأنية والأحاديث خافتة، كما لو أن كل شيء يحترم مساحات الآخرين ووقتهم. 

الأطفال يلعبون بحرية في ملاعب مخصصة لهم دون صخب مفرط، والكبار يسيرون بهدوء، كل شخص منغمس في عالمه الخاص دون اضطراب أو فوضى أو قلق. هذا الهدوء ليس فقط سلوكًا خارجيًا، بل يعكس ثقافة احترام وتقدير الآخرين، وروح الانضباط الذاتي، حيث السكينة تغلف كل زاوية من المدينة، والهدوء يصبح جزءًا من هوية السكان فيها.

وبينما كنت اتجول مذهولةً، ارتطمتُ بحافة الرصيف وسقطت في حفرة غطتها المياه واستيقظت من " حلم ليلة شتاء" على الواقع المرير. أدركتُ حينها أنني كنت أحلم.

استوقفتني برودة الماء ورشقات الطين المبلل المتناثرة، ومرارة الواقع. عندها شعرت بثقل الحقيقة يلامس روحي. كل شيء اعتقدتُ أنه جمال وانسياب كان مجرد سراب يختبئ خلف ستار الأحلام. 

نهضتُ متثاقلة، مدركةً أن المدينة الحقيقية ليست سوى شوارع مرصوفة بوعود لم تتحقق، وأن الأحلام، مهما كانت جميلة، لا تصنع الحقيقة . تبخرت اللحظات الساحرة، وبقيتُ أنا أمام واقع بارد، أحمله معي فيما تبقى لي من ليالي الشتاء الباردة.. فللحقيقة وجهٌ آخر ..!