استيفاء رسوم على الطلبة غير الأردنيين.. هل يحسن بيئات التعلم؟

عقب موافقة مجلس الوزراء على الأسس الجديدة لتحديد الرسوم المدرسية للطلبة غير الأردنيين، والتي تنص على استيفاء الكلفة الفعلية لتعليمهم في المدارس الحكومية، مع استثناءات محددة لبعض الفئات، اكد خبراء في التربية أن القرار القاضي باستيفاء رسوم دراسية مقدارها 300 دينار على شريحة معينة من الطلبة غير الأردنيين الملتحقين بالمدارس الحكومية، يشكل خطوة تنظيمية وتمويلية، تعزز الاستدامة المالية للنظام التعليمي، وتحسن بيئات التعلم في المدارس الحكومية.
وبينوا في أحاديث منفصل أن القرار بهذا الشكل لا يعد مجرد إجراء مالي، بل يمثل خطوة عملية ترفع من مستوى جودة التعليم، وتدعم استدامة العملية التعليمية، لافتين إلى أن هذا القرار يعكس ممارسة قائمة على العدالة التفضيلية، إذ راعى الفروق القانونية والإنسانية بين الفئات المختلفة، وطبق مبدأ العدالة المبنية على الاستحقاق، لا على المساواة المطلقة، فقد استثنى القرار الفئات الأكثر هشاشة أو من هم في عداد الأردنيين في كثير من المعاملات مثل أبناء الأردنيات، وأبناء قطاع غزة، والطلبة المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ما جعل نطاق تأثيره محدوداً.
وكان مجلس الوزراء وافق في جلسته أمس برئاسة د. جعفر حسان، على الأسس المتعلِّقة بتحديد الرُّسوم المدرسيّة للطَّلبة غير الأردنيين، واستيفاء الكلفة الفعليَّة لتعليمهم في المدارس الحكوميَّة، بناء على تنسيب من وزير التربية والتعليم.
وبموجب الأسس الجديدة، سيجري استيفاء الكلف الفعليَّة لتعليم الطَّلبة غير الأردنيين بالمدارس الحكوميَّة كما قرَّرتها اللِّجان المختصَّة بالوزارة، بينما يستثني القرار فئات الطلبة في الصُّفوف من الأوَّل وحتَّى السَّادس الأساسيين، وأبناء الأردنيَّات المتزوِّجات من غير أردنيين، وأبناء غزة المقيمين بالمملكة، والمسجَّلين في المفوضية، مع الإشارة إلى أنَّ من تنطبق عليهم صفة اللجوء من غير المسجَّلين في المفوضية، يمكنهم الاستفادة من الرسوم المخفَّضة في حال التَّسجيل في المفوضيَّة.
وبموجب التَّعديل، تكون الكلفة الماليَّة لكلِّ فصل دراسي لغير الأردني من غير الفئات المستثناة أعلاه 300 دينار لجميع مسارات التعليم الثانوي الأكاديمي، والأساسي من الصَّف السَّابع ولغاية العاشر، وكذلك التَّعليم المهني والتِّقني، في حين أنّ التعليم المدرسي مجاني للأردنيين.
خطوة تنظيمية وتمويلية
وفي هذا السياق، أكد وزير التربية والتعليم الأسبق د. تيسير النعيمي، أن هذا القرار، يمثل خطوة تنظيمية وتمويلية، تهدف إلى تعزيز عناصر الاستدامة المالية للنظام التعليمي، وتحسين بيئات التعلم بالمدارس الحكومية. موضحا بأنه ينسجم مع التزام الدولة بمبدأ مجانية التعليم، وفقا للدستور وللفئات المشمولة بالحماية الإنسانية.
وأشار النعيمي، إلى أنه يشمل الطلبة من الصف الـ7 وحتى الـ12، وهي مرحلة تعليمية عالية الكلفة تتطلب معلمين متخصصين ومرافق وتجهيزات نوعية، ولا سيما في التعليم الثانوي المهني، إذ تتضاعف الكلفة التشغيلية. مبينا أن 48 ألف طالب غير أردني يتعلمون في المدارس الحكومية، وأن القرار ينطبق على 15 ألفا منهم، أي نحو عددهم الإجمالي، بما يحقق إيرادات سنوية تقدر بـ9 ملايين دينار ستوجه مباشرة لتحسين جودة التعليم والبيئة المدرسية.
وأكد أن القرار يعكس حرص الدولة على حماية مجانية التعليم للأردنيين، وفي الوقت ذاته يسهم بتنويع الموارد المالية، وتخفيف الأعباء عن الموازنة العامة، بما يعزز القدرات التشغيلية للمدارس الحكومية، ويضمن استمرارية تطوير العملية التعليمية، موضحا بأن الإيرادات السنوية المتحققة، والتي تبلغ 9 ملايين دينار، وإن كانت غير كافية بمفردها للتأثير بجودة التعليم، لكنها قادرة على إحداث أثر ملموس بتحسين البيئة المدرسية.
وقال النعيمي، أن هذه الموارد يمكنها الإسهام بصيانة المدارس، والحد من الاكتظاظ بإنشاء غرف صفية إضافية، لتخفيض نسبة المدارس العاملة بنظام الفترتين، مضيفا بأن المبالغ المرصودة ستتيح تطوير المختبرات والتجهيزات الفنية، وتعزيز بيئات التعلم. لافتا إلى أن القرار بهذا الشكل، لا يُعد مجرد إجراء مالي، بل يمثل خطوة عملية ترفع من مستوى جودة التعليم، وتدعم استدامة العملية التعليمية.
وأشار إلى أن القرار يعكس ممارسة قائمة على العدالة التفضيلية، إذ يراعي الفروق القانونية والإنسانية بين الفئات المختلفة، وهو يطبّق مبدأ العدالة المبنية على الاستحقاق لا على المساواة المطلقة، فقد استثنى القرار الفئات الأكثر هشاشة، أو من هم في عداد الأردنيين في كثير من المعاملات كأبناء الأردنيات، وأبناء قطاع غزة، والمسجلين لدى المفوضية، ما جعل نطاق تأثيره محدوداً، إذ شمل 31 % فقط من الطلبة غير الأردنيين في المدارس الحكومية.
ونوه النعيمي، إلى أن هذا النموذج يُعد أكثر توازناً وانفتاحاً مقارنة بالممارسات السائدة في بعض الدول العربية، التي قد لا تسمح بقبول الطلبة الوافدين في مدارسها الحكومية أو تفرض عليهم رسوماً أعلى بكثير، مبينا أن القرار قد يشكّل عبئاً مالياً على أسر غير أردنية من ذوي الدخل المحدود، ما قد يرفع من احتمالية التسرب المدرسي إذا لم تُوفَّر بدائل مرنة، كتقسيط الرسوم أو تقديم إعفاءات جزئية للحالات الاجتماعية الصعبة.
وأضاف أنن يجب ربط قيمة الإيراد السنوي المتوقعة والبالغة 9 ملايين دينار، بخطط واضحة ومعلنة لتحسين البيئة المدرسية وتطوير الخدمات التعليمية، وتوجيهها مباشرة للمدارس التي تحتضن الطلبة غير الأردنيين المشمولين بالقرار، عبر إنشاء صندوق مخصص لدعمها وتعزيز قدرتها على الاستيعاب والتطوير.
ورأى النعيمي، بأن نجاح القرار يتوقف على مدى قدرته بتحقيق التوازن بين العدالة التعليمية من جهة، والحد من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على الأسر من جهة أخرى، بما يضمن استمرار حق التعليم للجميع في بيئة مدرسية أكثر عدلاً وجودة. مشددا على أن المخصصات المالية الموجهة لتطوير البيئة المدرسية، لن تقتصر على إنشاء الغرف الصفية وتجهيز المختبرات، بل ستتوسع لتشمل برامج نوعية تعزز جودة التعليم.
وأوضح بأن هذه البرامج، ستتضمن التنمية المهنية المستمرة للمعلمين، وبرامج معالجة الفاقد التعليمي، بالإضافة لمبادرات تهدف إلى تحسين البيئة المدرسية، مشيرا إلى أن التركيز لن يكون فقط على البنية التحتية، بل وعلى البيئة الاجتماعية والنفسية في المدارس، عبر تعزيز برامج الإرشاد النفسي والاجتماعي، وتوسيع نطاق التعليم الدامج، بما يضمن شمولية أكبر للنظام التعليمي، ويعزز فرص الطلبة في الحصول على تعليم متكافئ وعادل.
لا انتقاص من الحق بالتعليم
الخبير التربوي فيصل تايه، قال إن القرار يستند على رؤية تربوية تهدف للحفاظ على جودة التعليم وضمان استدامته، موضحا بأن أي نظام تعليمي، لا يمكنه الاستمرار بكفاءة في ظل تزايد الأعباء واختلال التوازن بين الموارد المتاحة وحجم الضغط الواقع عليه، ما يبرر هذا التوجه الرسمي لمعالجة الاكتظاظ واستنزاف البنية التحتية بالمدارس الحكومية.
وشدد تايه على أن القرار لا ينتقص من الحق بالتعليم، بل ينظم هذا الحق بما يضمن استمراريته بجودة عاليه لجميع الطلبة، إذ جاء وفق معايير واضحة تراعي العدالة التربوية والبعد الإنساني، عبر استثناء التعليم الأساسي والفئات الأكثر هشاشة، مقابل استيفاء جزء من الكلفة من بعض الفئات. مضيفا أن استيفاء مبلغ يقل عن الكلفة الفعلية، يعكس حرص الدولة على عدم تحميل الأسر أعباء غير محتملة، وإنما يشرك المستفيدين القادرين بجزء من المسؤولية، بما يخفف الضغط عن المدارس الحكومية، ويتيح توجيه الموارد نحو تحسين البيئة التعليمية، ورفع كفاءة المعلم، ومعالجة مشكلة الاكتظاظ.
وأضاف تايه، أن القيمة التربوية الحقيقية لهذا القرار، تكمن بربطه المباشر بتطوير التعليم في المدارس الحكومية، وليس بتحصيل الرسوم كغاية بحد ذاتها، مؤكداً أن التزام الجهات المعنية بتوظيف الإيرادات بشفافية بتحسين نوعية التعليم، سيُسهم بحماية المدرسة الحكومية ويعزز قدرتها على أداء دورها الوطني والتربوي، مبينا أن القرار إيجابي، ويصوب المسار التعليمي، إذ يحقق قدراً متقدماً من العدالة التربوية، ويوازن بين الاستدامة المالية والبعد الإنساني، بما يحفظ الحق في التعليم، ويصون جودة المدرسة الحكومية على المدى البعيد.
القرار إيجابي ومدروس
من جانبه، أوضح الخبير التربوي عايش النوايسة، أن القرار إيجابي ومدروس، بخاصة في ظل الأعباء المتزايدة التي تتحملها وزارة التربية، مبينا أن عدد من شملهم القرار يبلغ قرابة 15 ألف طالب، بمتوسط رسوم سنوية يصل لـ300 دينار، تختلف حسب المرحلة الدراسية للطالب، مضيفا أن الوزارة تتحمل أدوارًا كبيرة بتوفير الدعم اللوجستي والفني، وتهيئة بيئة تعليمية مناسبة للجميع دون استثناء، مع الأخذ بالاعتبار أن القرار استثنى بعض الفئات، كأبناء غزة ومن في حكمهم من اللاجئين، ما يعكس بعدًا إنسانيًا وتربويًا واضحًا في صياغة القرار.
وأشار النوايسة إلى أن القرار ينسجم مع أحكام الدستور والأنظمة والتعليمات الناظمة التي تنصّ على أن التعليم الأساسي إلزامي ومجاني للطلبة الأردنيين بالمدارس الحكومية، في حين لم يُلزم الدستور الدولة بتقديم التعليم المجاني لغير الأردنيين، وعليه، فإن استيفاء رسوم رمزية على هذه الفئة، عمل تنظيمي يهدف لتصويب المسار، وضمان استدامة تقديم تعليم نوعي للجميع.
وبين انه من الناحية المالية، تعد الكلفة الحقيقية لتعليم الطلبة غير الأردنيين مرتفعة، والمبلغ المقرر يُعدّ رمزيًا مقارنة بحجم الخدمات المقدمة. لافتا إلى أن الإيرادات المتوقعة من هذا القرار، والتي قد تصل لـ9 ملايين دينار، ستنعكس إيجابًا على تحسين البيئات التعليمية، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الموارد التعليمية في المدارس الحكومية، بما يخدم جميع الطلبة دون تمييز.
وأشار النوايسة أن القرار يسهم بتخفيف العبء عن موازنة الوزارة، ويعزز مبدأ العدالة التربوية بين الطلبة الأردنيين وغير الأردنيين، ويؤكد أن مجانية التعليم حق دستوري مكفول للأردنيين، مع الحفاظ في الوقت ذاته على جودة التعليم واستدامته. كما سينعكس على توفير بيئات تعليمية أكثر تحفيزا، ودعم عملية التعليم والتعلّم بما يخدم المصلحة الوطنية العليا
















