ليث الفراية يكتب :- الأستاذ هيثم البطيخي ... حين تكون المسؤولية شرفًا لا امتيازً

في المشهد الاقتصادي الذي اعتاد على الأرقام الصاخبة والعناوين المستعجلة، يبرز أحيانًا نمط نادر من القيادات؛ قيادات لا تصنع حضورها بالضوء، بل بالظل الذكي الذي يحمي الفكرة ويمنحها العمر هكذا يمكن قراءة تجربة هيثم سميح البطيخي، ليس بوصفه مديرًا تنفيذيًا مرّ من هنا، بل باعتباره حالة قيادية أعادت تعريف العلاقة بين المصرف والمؤسسة، وبين القرار والمسؤولية، وبين المنصب والجوهر.
منذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أن الرجل لا ينتمي إلى مدرسة الإدارة التقليدية التي تُدار بالأوامر، ولا إلى ثقافة الاستعراض التي تخلط بين النفوذ والإنجاز. بل جاء بعقلٍ صيغ على الانضباط، وبذهنية تعرف أن القيادة ليست صوتًا أعلى، بل رؤية أعمق في عالم مصرفي حساس، حيث الثقة عملة لا تُسكّ في المصارف بل في السلوك، نجح في بناء نموذج إداري يرى في الاستقرار قيمة، وفي التطوير ضرورة، وفي الإنسان محور كل معادلة مالية.
في تفاصيل المشهد اليومي، يظهر القائد الذي يعرف قيمة المنتج المصرفي حين يكون قريبًا من الناس، ويعرف قيمة الخصوصية حين تكون الخدمة مبنية على الثقة لا على الترويج حيث لم تكن تجربة التجزئة المصرفية والخدمات البنكية الخاصة مرحلة وظيفية عابرة، بل كانت مختبرًا حقيقيًا لصياغة فلسفة ترى في العميل شريكًا، وفي البنك مؤسسة حياة لا مجرد حسابات ومن هنا، بدأ التحوّل الهادئ الذي جعل من الأداء المؤسسي لغة مشتركة بين الإدارة والفِرق، وبين الرؤية والتنفيذ
لم تكن رحلة التحوّل داخل مجموعة البنك الأردني الكويتي قفزة مفاجئة، بل مسارًا متدرجًا يشي بفهم عميق لطبيعة العمل البنكي من التفاصيل اليومية إلى القرارات الكبرى، تشكّلت مدرسة إدارية تعتمد القراءة الهادئة للمتغيرات، وتُفضّل التخطيط طويل النفس على المكاسب السريعة وهنا، لم يعد البنك مجرد مؤسسة مالية، بل كيانًا يعرف كيف يوازن بين الربحية والموثوقية، وبين الحداثة والهوية.
وفي واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا التي شهدها القطاع المصرفي إقليميًا، كان التحدي الحقيقي هو القدرة على القيادة دون ارتباك، وعلى اتخاذ القرار دون تسرّع فظهرت شخصية قيادية تدرك أن قوة المؤسسة لا تُقاس فقط بحجم موجوداتها، بل بصلابة حوكمتها، ونضج كوادرها، وقدرتها على الصمود أمام المتغيرات تلك المرحلة لم تكن اختبارًا للأدوات بقدر ما كانت امتحانًا للفكر، وقد خرجت المؤسسة أكثر تماسكا، وأكثر وضوحًا في اتجاهها.
غير أن الصورة لا تكتمل دون التوقف عند البُعد الأوسع لهذه التجربة فالرجل الذي يدير مؤسسة مالية كبرى بعقل الدولة، لا يمكن أن يكون بعيدًا عن الشأن العام. حضوره في مجالس إدارات وطنية، ومؤسسات مالية، وهيئات تدريب وحوكمة، لم يكن ترفًا مهنيًا، بل امتدادًا طبيعيًا لقناعة ترى أن الاقتصاد لا ينفصل عن المجتمع، وأن القطاع الخاص شريك في البناء لا متفرج على الهامش في هذه المواقع، كان الصوت الذي يدافع عن المهنية، والاستدامة، وتمكين الإنسان بوصفه رأس المال الحقيقي.
أما البعد الإنساني، فكان الأكثر هدوءًا والأعمق أثرًا بعيدًا عن الأضواء، ظل الانخراط في العمل الخيري والتنموي جزءًا أصيلًا من المعادلة دعم التعليم، والمشاركة في مبادرات تُعنى بالفئات الأقل حظًا، والإيمان بأن النجاح الذي لا يحمل بعدًا أخلاقيًا يبقى ناقصًا مهما بلغ حيث هنا، تتجلّى فلسفة قيادية ترى أن المؤسسة الناجحة هي تلك التي تُضيف للمجتمع بقدر ما تأخذ منه.
وإذا كان لكل قائد بصمته، فإن بصمة هيثم البطيخي تتجسد في قدرته على الجمع بين الصرامة والإنسانية، بين الانضباط والمرونة، وبين الفكر العسكري في الالتزام، والفكر الأكاديمي في التحليل، والفكر العملي في التنفيذ هذا التوازن النادر هو ما جعل تجربته تُقرأ اليوم كنموذج في القيادة المصرفية الرشيدة، لا كحالة عابرة مرتبطة بزمن أو منصب.
في الخاتمة، لا يُختصر هذا المسار بسنوات أو مواقع، بل يُلخّص بفكرة واحدة "أن القيادة الحقيقية هي تلك التي تترك المؤسسة أقوى مما كانت، والفريق أكثر ثقة بنفسه، والمجتمع أكثر اطمئنانًا للمستقبل" هكذا يُكتب اسم هيثم البطيخي في سجل التجارب التي لا تُقرأ كخبر، بل تُستعاد كنموذج، وتُروى كحكاية نجاح صامتة لكنها عميقة الأثر.


















