+
أأ
-

لما جمال العبسة : هل أصبح «الذهب» مرآة للتناقضات؟

{title}
بلكي الإخباري

في لحظة تاريخية نادرة، بدا الذهب وكأنه يعيد كتابة قواعد السوق العالمية، خلال العام 2025، حقق المعدن النفيس أكبر قفزة له منذ أزمة النفط العام 1979، حيث ارتفع بنسبة 64%، في مشهد يثير الدهشة ويستدعي الاستفهام عما يجري، خاصة وان هذا الارتفاع لم يكن مجرد انعكاس لمخاوف عابرة أو رد فعل تقليدي على الأزمات، بل جاء نتيجة تداخل معقد بين السياسة النقدية الأمريكية، العجز المالي المتفاقم، النزاعات الجيوسياسية، وتنامي شهية البنوك المركزية والمستثمرين لتنويع محافظهم بعيداً عن الدولار، حيث لم يعد الذهب كأنه مجرد ملاذ آمن، بل تحول إلى أصل استراتيجي يعكس اختلالات النظام المالي الدولي ويستشرف ملامح مرحلة جديدة من التحولات الاقتصادية.

التوقعات بشأن مستقبل الذهب تعددت في 2026، إذ رجحت مؤسسات كبرى مثل مورغان ستانلي وصول الأسعار إلى 4500 دولار للأونصة بحلول منتصف العام، فيما توقعت جي بي مورغان أن يتجاوز متوسط الأسعار 4600 في الربع الثاني وأكثر من 5000 في الربع الرابع، وذهبا ميتال فوكس أبعد من ذلك، متوقعة بلوغه مستوى 5000 دولار مبكرا، مدفوعاً بالمخاوف حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي والنزاعات الجمركية والجيوسياسية، في المقابل، تبنت ماكواري رؤية أكثر تحفظاً، متوقعة أن يبلغ متوسط الأسعار 4225 دولار مع تباطؤ مشتريات البنوك المركزية وتراجع تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب، ليعكس هذا التباين في الرؤى حجم الضبابية التي تكتنف الأسواق العالمية، ويؤكد أن الذهب بات مرآة للتناقضات الاقتصادية والسياسية في آن واحد.

وفي مفارقة كبرى، تزامن ارتفاع الذهب مع ارتفاع الأسهم، وهي ظاهرة لم تحدث منذ نصف قرن، فالمنطق التقليدي يقول إن الذهب يرتفع عندما تتراجع الأسهم، باعتباره ملاذاً آمناً في مواجهة التصحيحات الحادة، لكن ما حدث في 2025 يكشف عن خلل في ديناميكيات السوق، أو ربما عن تحول هيكلي يجعل الذهب أصلا استراتيجياً يتجاوز دوره التقليدي، وفي اطار التفسير العلمي لهذه الظاهرة فإن الامر يرتبط بفائض السيولة العالمية الذي سمح بشراء كلا الأصلين، وبزيادة الطلب المؤسسي على الذهب لأسباب استراتيجية مستقلة عن حركة الأسهم، فضلاً عن استمرار المخاوف التضخمية والجيوسياسية التي جعلت الذهب جذاباً حتى في ظل صعود الأسواق المالية.

أمام هذه المعطيات، يمكن تصور أربعة سيناريوهات محتملة لاسعار المعدن الاصفر في العام 2026، أولها أن يواصل الذهب صعوده القياسي ليبلغ مستويات تتجاوز 5000 دولار مدفوعاً بخفض الفائدة وتزايد الطلب المؤسسي؛ والثاني أن يستقر فوق 4500 دولار مع استمرار المشتريات الرسمية؛ اما الثالث أن يشهد تذبذبات حادة إذا ارتفع الدولار أو أجبرت التصحيحات في الأسهم المستثمرين على بيع الذهب؛ والاخير حدوث قفزات مفاجئة بفعل الأزمات الجيوسياسية أو النزاعات التجارية العالمية، وهذه السيناريوهات لا تعكس مجرد احتمالات سعرية، بل تكشف عن طبيعة المرحلة المقبلة التي قد تعيد تشكيل العلاقة بين الذهب وبقية الأصول المالية.

يدخل الذهب العام 2026 محملاً بآمال المستثمرين ومخاوف الاقتصاديين، بين من يراه ملاذاً تقليدياً ومن يعتبره أصلا استراتيجياً جديداً، و يبقى السؤال الجوهري... هل سيواصل الذهب كسر القواعد الاقتصادية التقليدية، أم سيعود إلى منطق السوق الكلاسيكي حيث لا يجتمع صعود الأسهم مع صعود الذهب؟ والإجابة ستشكل اختباراً حقيقياً لفهم ديناميكيات الأسواق العالمية في مرحلة ما بعد الأزمات، وتحديد موقع الذهب في النظام المالي الدولي، ليس فقط كأداة للتحوط، بل كرمز لتحولات أعمق في الاقتصاد العالمي