+
أأ
-

عودة داعش: إشارات مقلقة من سورية إلى العالم

{title}
بلكي الإخباري

د.عامر سبايلة

حادثتان متباعدتان جغرافياً، متقاربتان أيديولوجياً، وقعتا بتزامن لافت: الهجوم الإرهابي في العاصمة الأسترالية سيدني، الذي استهدف تجمعاً مدنياً خلال احتفالية مرتبطة بالأعياد اليهودية، وهجوم في مدينة تدمر السورية استهدف جنوداً أميركيين، نفذه أحد عناصر الأمن السوري. هذان الحدثان أعادا إلى الواجهة مسألة التعامل مع العناصر ذات الخلفية الجهادية، وخطر الاعتماد عليها بصورة كاملة، وما يحمله ذلك من تداعيات أمنية مباشرة.

 

 

تزامن العمليتين مع بدء الاستعدادات لمواجهة تنظيم داعش في سورية يفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرة الإدارة السورية الحالية على لعب دور فعال في هذه المواجهة، وحول طبيعة المخاطر الأمنية المترتبة عليها، داخل سورية وخارجها.

عودة التنظيم إلى النشاط تترافق مع التصعيد المتوقع ضده في الساحة السورية. ومن المرجح أن يتجه داعش إلى رفع وتيرة عملياته، ليس فقط لمواجهة السلطة في دمشق، بل لإضعافها وإظهار هشاشتها. وقد لا تقتصر هذه العمليات على مناطق نفوذه التقليدية في البادية أو الجنوب السوري، بل قد تمتد إلى المدن، في محاولة لمنح التحرك طابعاً سياسياً ورسالة تهديد مباشرة، تعكس رغبة التنظيم في الظهور كفاعل قادر على تجاوز منطق البقاء في الأطراف.

هذا المسار يعزز احتمالية إعادة تنشيط الشبكات الجهادية، خصوصاً في حال أدى التصعيد إلى إضعاف السلطة المحلية وتفكك السيطرة الأمنية. فالتفتت، والاحتجاجات المحلية، وغياب القبضة المركزية، كلها عوامل تسهل عودة الخلايا الجهادية، خصوصاً التنظيمات التي تحمل بطبيعتها طموحات إقليمية عابرة للحدود. وفي مثل هذا المناخ، قد تلجأ هذه الجماعات إلى التعاون المؤقت مع ميليشيات محلية للحصول على السلاح أو القواعد العملياتية، ما يحول المشهد إلى صراع طويل الأمد قابل للتوسع والانتقال إلى الجغرافيا المحاذية.

أما على المستوى الدولي، فإن الدلالة الأبرز في حادثة سيدني تكمن في أن أسلوب "الذئاب المنفردة" ما يزال الأداة الأكثر فاعلية بالنسبة للتنظيم. غير أن هذه "الذئاب" ليست بالضرورة فردية بالكامل، بل منظمة في كثير من الأحيان، كما كشفت المعلومات عن تلقي منفذي الهجوم تدريبات في الفلبين، إضافة إلى تلقيهم توجيهات تتعلق بطريقة التنفيذ وتوقيت العملية ومكانها. ومن خلال ذلك، يسعى التنظيم إلى إيصال رسالة واضحة مفادها عودته القوية إلى الساحة الدولية، وقدرته على العمل في مساحات جغرافية واسعة ومتباعدة.

وفي أدبياته الجديدة، يحاول التنظيم استغلال مناخ العداء للسامية الذي برز خلال المرحلة الأخيرة، مع الإبقاء على أهدافه الأساسية من دون تغيير، والمتمثلة في استهداف الدول والأماكن الدينية والتجمعات المدنية، في محاولة لتأكيد قدرته على الضرب دولياً، خصوصاً مع اقتراب المواجهة المباشرة معه في معاقله داخل سورية.

ومع إعادة تفعيل الخلايا النائمة ونشر مناخات التهديد الأمني عالمياً، يدخل العالم مرحلة جديدة من التحديات الأمنية التي قد لا تقتصر على أنماط التهديد التقليدية أو العمليات البسيطة. بل إن احتمالية تنوع أشكال الاستهداف تبدو مرتفعة، في ظل سعي التنظيم لاستغلال التناقضات والانقسامات التي برزت خلال العامين الماضيين، والتحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها بعض المجتمعات.

كما يعمل التنظيم على استثمار توسيع قاعدة "الأعداء" في الخطاب الأميركي الحالي، الذي بات يشمل طيفاً واسعاً من الجهات، من حزب الله وحماس، إلى تنظيم الإخوان المسلمين وغيرها، وهو ما يوفر للتنظيم بيئة خطابية مناسبة لتبرير تحركاته وبناء تحالفاته المرحلية.

إعادة تفعيل التحالف الدولي لمواجهة تنظيم داعش قد تبدو الرد الطبيعي، إلا أن غياب لاعبين فاعلين على الأرض، لا سيما في الساحة السورية، يجعل حسم هذه المواجهة أمراً بالغ الصعوبة، ويزيد من احتمالية إطالة أمد الصراع. أما الرهان على الحكومة السورية للقيام بدور حاسم، فلا يبدو مضمون النتائج، في ظل تعقيدات المشهد الداخلي وصعوبة الاعتماد الكلي على هذه القوات.

إن إعادة فتح ملف المواجهة مع تنظيم داعش تعني بالضرورة ارتفاع احتمالية الهجمات الإرهابية، حيث سيعمد التنظيم إلى استخدام عنصر المفاجأة والتضخيم الإعلامي، عبر تنفيذ عمليات في مناطق ذات رمزية عالية تمنحه صورة القادر على الضرب في عواصم مؤثرة. وهو أسلوب دعائي لطالما اعتمده التنظيم، مستفيداً من مناسبات محددة تساعده على تعظيم الأثر الإعلامي وتوسيع دائرة الخوف والقلق.