+
أأ
-

سامح المحاريق : ليلة القبض على بابا نويل!

{title}
بلكي الإخباري

تقصد آلاف العائلات الأردنية شجرة عيد الميلاد المنتصبة في وسط البوليفارد في عمان وفي مدن أخرى، ويتهافت الأطفال لاستكشاف الرجل الذي يرتدي لحية بيضاء، بابا نويل أو سانتا كلوز! والتقاط الصور معه في أوساط طاغية في حضورها البصري.

الأطفال معظمهم من أسر مسلمة، وفي مراحل عمرية بعيدة عن التفكير في العقيدة. وفي مجتمع مسلم ومحافظ فالآباء لا يتعاملون مع هذه المناسبة بأبعد من جولة أسرية في وسط محدودية الخيارات وتكلفتها.

هذه المقدمة ضرورية، ولكن توجد قصة اضطرارية!

"يقابل رجلان امرأة تحاول عبور النهر في ظرف خطر، فيحملها أحدهما على ظهره ويعبر بها النهر. في المساء كان الآخر يلومه لأنه من غير مناسب أن يحمل المرأة، فأجابه: لقد أنزلتها على ضفة النهر، بينما ما زلت أنت تحملها في داخلك".

في كل سنة، وفي نفس التوقيت، تخرج فتاوى حول تهنئة المسيحيين وتحريمها من بعض المشايخ والفقهاء، وتطرح في مقابلها فتاوى أخرى تبيح ذلك، وحتى عند الشيخ يوسف القرضاوي فإن التهنئة ليست بالمحرمة أو حتى مكروهة، بل هي من البر وحسن الخلق وواجب حسن التعامل، ولكنه في مواقع أخرى، يحذر من المشاركة في الشعائر، ولكن من قال أن شجرة الكريسماس وبابا نويل من الشعائر الدينية المسيحية من الأساس.

مظاهر الاحتفال بالكريسماس هي تعبير ثقافي، وتشبه ما كنا نقوم به كمسلمين من احتفال بالمولد النبوي، وحضرت طفلًا تفاصيلها في مصر وتهافتت على شراء حصان الحلوى، ووقفت شقيقاتي لاختيار عروسة المولد، وأعتقد أن هذه التفاصيل ما زالت قائمة في كثير من المناطق، وهي طريقة تعبير عن الفرح بمناسبة المولد النبوي.

الاحتفال شكل لمعنى، والمعنى هو حضور السيد المسيح – عليه السلام – بقيم المحبة والسلام والعدالة والحرية التي حملها للإنسانية، والمسلمون شركاء في الشكل كما هم شركاء في المعنى، والاختلاف حول التفاصيل لا يهدد عقيدة المسلم أو المسيحي، فالحفاوة تأتي في تقاطع دائرتين ثقافيتين وعقائديتين لا في المناطق المستقلة من كل دائرة.

هل تذكرون الرجل الذي استبقى المرأة في مخيلته؟

يشبه كثيرًا من اعتقدوا أن الأمر كله يمس التوحيد لدى المسلمين، فلماذا شعروا بالتهديد تجاه توحيدهم؟ هل هو من الهشاشة ليتأثر بالألوان ومظاهر الفرح والاغتباط التي توجه للأطفال.

الدعوة في هذه السنة كانت موجهة لعموم المسلمين، وتستند إلى ما ورد في الأثر عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في مقولة جرى تضعيفها من كثير من العلماء، بل ووردت بصياغات أخرى لم تتعرض لموضوع أعياد المسيحيين، وهي لا تتسق مع لغة رجل من أفصح من أنجبهم التاريخ العربي، ولا مع سيرته التي جعلته يحظى بمكانة كبيرة بين مسيحيي بلاد الشام.

لماذا لم يلجأ الشباب إلى القرآن الكريم أو السنة النبوية؟ لأن الفتاوى الأخرى التي تبيح التهنئة هي من الكتاب والسنة، وبالتالي فالأثر هو قول منفرد لم يحدث تجاهه أي إجماع، ولا يتسق مطلقًا مع المستقر في ثقافتنا وتاريخنا.

في الدفاع عن أحد الشباب الذين جرى توقيفهم على خلفية المنشور الذي كتب بلغة شبابية عامية، يتحدث والده عن فتوى للشيخ نوح القضاء، ولكن ذلك يجعله في موقف صعب، فالشيخ الجليل هو صاحب (رأي) وليس صاحب (الرأي)، كما أن الأزهر الشريف لا يتفق مع ذلك.

التوقيف ليس حلًا ولا يجب أن يستمر، ونطالب بالإفراج عن الشباب الذين طبعوا هذه الورقة التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن المشكلة أكبر كثيرًا وتتمثل في الفكر الذي تصدره البيئات الحاضنة للشباب الذين شعروا بأنهم مهددون في عقيدتهم، فهذه الحواضن أورثتهم عقدة البارانويا وجعلتهم يتخيلون أنهم في موقع المستهدفين وفي موقع استعلائي على بقية المسلمين يخول لهم الوصاية على عقائدهم، والتفكه والتباسط لتحذريهم وكأنهم أطفال مغيبين يخافون أن يتعرضوا لنشل عقيدتهم وهم يشتركون في مظاهر الفرح البريئة.

عيد ميلاد مجيد