+
أأ
-

ثورة الطين في شيحان حينما تعجن أمطار الكرك بذار الحرية وتبعث الأمل القتيل

{title}
بلكي الإخباري

كتب الناشر - بين قطرة المطر الأولى وارتطامها بصخر الكرك الصلب تولد فلسفة سياسية عتيقة فالمطر الذي يهطل اليوم بغزارة على مؤاب   والوسية  وعي  ليس مجرد حدث مناخي بل هو بيان السماء الأول الذي يعيد تسييل ما جمدته سنوات العجاف فهو  اللحظة التي تروي فيها الأرض ظمأها التاريخي ليبدأ فعل العجن والتخمير في رحم طين الكرك الأحمر حيث تصبح الأرض طيعة للتشكيل من جديد تماما كما تتشكل الإرادات الشعبية في لحظات التجلي الكبرى

في الأعماق حيث سكنت بذور القمح والشعير و قلنا يوما إن جفاف الواقع قد قتلها  يعيد المطر بعث النية في تلك الخلايا الكامنة سياسيا هذه البذور هي أحلامنا المؤجلة وعدالتنا التي حاصرها التصحر والكرامة التي لا تشيخ عندما تلبس جبال الكرك اليوم حللها الخضراء فهي لا تمارس الترف الجمالي بل تعلن عن فعل مقاومة هي تتحضر لتزهر ورودا فقدنا عطرها منذ سنين خلت وكأنها تخبرنا أن المستحيل كان مجرد نقص في منسوب اليقين وأن القلعة التي صمدت في وجه الغزاة تصمد اليوم بانتظار هذا الهطول المقدس.

المطر يغير كل شيء فهو يقتحم تلك النفوس الكركية الأبية التي يبست مع جفاف الأرض وحولتها ضغوط المعيشة وصراعات البقاء إلى ملامح قاسية كالصخر فاستجداءنا للسماء من مخزونها المطري هو في الحقيقة استجداء لغسل روح التصحر التي داهمت تفاصيل حياتنا فالتصحر ليس في التربة فحسب بل في الخطاب الذي جف من الصدق نحن نحتاج لهذا الهطول ليقتل التبلد الذي أصابنا ويعيد للكلمات معناها وللوجود قيمته في مدينة ما عرفت يوما معنى الانحناء

فخير الأرض هو الجمال الفعال الذي يزين واقعنا وهو الذي يؤكد عمليا فلسفتنا في الوجود فانبعاث الحياة في وادي الكرك بعد موته هو الرد الحاسم على كل نظريات العدمية السياسية واليأس الاجتماعي وهو التأكيد الواقعي على أن القوة الكامنة في الطبيعة وفي الإنسان  هي قوة لا تقهر إذا ما وجدت البيئة الحاضنة

نحن محتاجون لهذا المطر لنكتب بمداد قطراته على أسوار التاريخ إن على هذه الأرض ما يستحق الحياة ليس كشعار حالم بل كحقيقة ملموسة نراها في القمح الذي يشق التربة وفي الرائحة التي تعيد ترتيب ذاكرة الأوطان وتمنحنا قيمة الوجود الحقيقي