د.صلحي الشحاتيت يكتب …التعليم العالي وجودته؛ ونماذج عالمية.

هل لنا أن نسلط الضوء قليلاً على أهم نتاجات المجتمعات المتقدمة، التي تسهم بشكل كبير في التنمية المستدامة في كافة المجالات؛ ألا وهو التعليم العالي.
الدول المتقدمة صناعياً والنامية تدرك اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى أنّ تنمية قدرات ومهارات مواطنيها طبقاً لمستجدات العلوم الحديثة والتقنيات المتقدمة؛ تهدف إلى الاستفادة السريعة منها، بغرض التنمية وزيادة الإنتاج والإنتاجية وتأمين فرص العمل وديمومة النمو الاقتصادي، في ظل اقتصاد العولمة القائم على المعرفة.
وهذا يتطلب إيجاد نظام تعليمي متطور يتسم بالجودة والكفاءة والمرونة، ويشارك في اكتشاف المبدعين والمتميزين في حقول العمل.
وتشير جميع الوقائع والأحداث أنّ الدول التي حققت نمواً اقتصادياً هي تلك التي تمتلك نظاماً تعليمياً راقياً، ومثال ذلك النظام التعليمي المتطور في استراليا؛ الذي يعد من النماذج العالمية المتصدرة، فقطاع التعليم فيها يعد ثالث أكبر قطاع تصديري في استراليا وأول قطاع خدماتي في البلاد، وقد شهد التأثير الاقتصادي للتعليم الدولي بنسبة 22% عام 2017 ووصل إلى 32.2 مليار دولار استرالي.
كما تعد استراليا أشهر وجهة تعليمية في العالم بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتشتهر استراليا بثقافة الإبداع والبحث العلمي المكثف، فتعمل على استقطاب الطلاب والباحثين من جميع دول العالم، فهي تمتلك منشآت التعليم والتدريب والبحث على أفضل المستويات العالمية. وبالنظر إلى التعليم العالي في سنغافورة نجده أيضاً من أنجح التجارب العالمية، وواحدا من أفضل أنظمة التعليم في آسيا، وأهم ما يتميز به التعليم العالي فيها؛ الانتقاء والجودة. حيث أنّ الولوج إلى الجامعة يخضع إلى انتقاء قوي لان الجامعات السنغافورية مصنفة بين أفضل الجامعات في آسيا والعالم، وهذا النظام التعليمي القوي مكّنها من تكوين كفاءات وخبرات ساهمت في بناء اقتصاد البلد، ولا يختلف الأمر عنه في الجامعات الأوروبية، فالنظام الأوروبي يعاني العديد من التحديات الكبيرة؛ منها الأزمة الاقتصادية، وانتشار البطالة، بالإضافة إلى زيادة المنافسة مع الدول النامية. من هنا تعين عليه أن يركز على التعليم وتنمية مواهب الناس وبالتالي تحفيز التعافي الاقتصادي والاجتماعي.
وقد يكون أهم ما يميز هذه الأنظمة التعليمية العالمية، الاستقلالية ووجود الحرية الأكاديمية سواء للطالب أو المدرس أو للجامعة نفسها، مما انعكس بصورة مباشرة على تطوير التعليم في تلك الجامعات.
وبمقارنة هذه الأنظمة مع نظام التعليم العالي في الأردن، فلا شك أن وجود وزارة التعليم العالي وتقليص صلاحيات مجالس الأمناء في الجامعة، قد أدى إلى القضاء على التعددية والتنافسية والجودة، مما انعكس بصورة مباشرة على برامج التعليم العالي والبحث العلمي، وتراجع نوعيته وجودته، وبالتالي وجود جامعات تقليدية يغلب عليها النمط نفسه، بالإضافة إلى وجود ضعف واضح في إنتاج وتوطين المعرفة وتقنياتها.
نحن نعلم أنّ التعليم هو رأس الحربة في مشاريع النهضة الحقيقية، وأنه من دون تنمية مؤسسات التعليم الجامعي وبنائها البناء السليم، مثلما فعلت الدول المتقدمة سابقة الذكر، لا يمكن لنا الحديث عن نهضة أو حتى مشروع على طريق النهضة، لذا ينبغي أن ينظر صناع القرار إلى قطاع التعليم عامة والتعليم التقني خاصة؛ على أنه قطاع استثماري يجب الإستفادة منه بشكل أكبر، ذلك أنّ التعليم ولا شيء سواه يمكن أن يفضي إلى تقدم أية أمة من الأمم.



















