+
أأ
-

فلسطينيات : شاهد عيان.. يكتب التاريخ بذكرى النكسة

{title}
بلكي الإخباري













في مثل هذا اليوم الخامس من حزيران عام 1967 أي قبل أربعة و خمسين عاماً تماماً وفي حوالي الساعة العاشرة صباحاً من يوم الاثنين وفي قريتي المقدسية (بيت إكسا) وفي منطقه تسمى (الوعر) أعالي القرية كنت ألعب مع أقراني فرحاً بطائرةٍ ورقية بدائية الصنع، وفجأةً شاهدنا طائراتٍ معدنية.. طائرات حربية حقيقية تأتي من جهة الشرق، ولم نسمع إلا أصوات الزغاريد تعلو بين بيوت القرية فرحاً بما سمعه الأهالي من إذاعة صوت العرب التي كانت تتلو بياناتٍ إخبارية - اكتشفنا لاحقاً بأنها كذب في كذب - تقول بأننا أسقطنا للعدو خمسين وستين طائرة!! فما كان منا نحن البسطاء إلا أن نفرح بما سمعنا غير واعين بأنه وهمٌ تبنّته الآلة الإعلامية العربية ممثلةً بإذاعة صوت العرب..





هنا، طلب مني والدي رحمه الله أن آخذ معي يوسف ابن أخي الأكبر بدر رحمه الله وهشام ابن أخي الآخر محمد رحمه الله كذلك إلى عمّان كانت بداية العطلة الصيفية المدرسية (لاحظوا كيف كان التنقل هيّناً بين القدس وعمّان في ذلك الوقت حتى على ثلاثة صبية أكبرهم أنا وعمري آنذاك لم يصل حتى لأربعة عشر عاماً!!)

انطلقنا من قريتنا إلى محطة الباصات في مدينة القدس كي نستقلّ إحدى الحافلات إلى عمّان، ولكننا لم نجد أي وسيلة نقلٍ في هذه الظروف فعدنا لقريتنا مشياً على الأقدام مروراً بقرية (بيت حنينا)، ما إن وصلنا حتى سمعنا المنادي يقول عبر سماعة المسجد بأن اليهود الآن في وادي (لفتا) ويتجهون نحو (بيت إكسا)! هنا خاف الجميع فهربوا خصوصاً بعدما علموا ما فعل اليهود الغاصبون من مجازر في قرية (دير ياسين) غير البعيدة عنهم.. تركنا بيتنا وتوجهنا إلى مغارة في (شِعب رزق) ووجدنا هناك عمتي حليمة حسين (إم محمد) وإم خالد زوجة علي النعسان وابنها خالد زايد (الدكتور في مستشفى حمزة الآن) ونفراً من دار أبو حبّابة.. نمنا في المغارة تلك الليلة ثم توجهنا في الصباح التالي أي يوم الثلاثاء إلى البرانس وبتنا ليلتنا الثانية في وادٍ بين قريتي النبي صمويل والجِيب.. ثم توجهنا إلى حي الأمعري في رام الله مروراً بقرى الجِيب ورافات وقلنديا.. وصلنا إلى بيت أحد أبناء قريتنا المقيم في الأمعري وهو السيد جميل العبد سمحان زايد، كان البيت فارغاً حين وصولنا ولكن خوار الأبقار كان مسموعاً بشكل واضح.. عندما سمع والدي رحمه الله صوت الأبقار علم بخبرته في تربية الأبقار أنها لم تُحلب منذ يومين أو ثلاثة فقام رحمه الله بحلب الأبقار كي يريحها من حملها.. بقينا في هذا البيت الفارغ من أهله يومين أو ثلاثة أيام.. ثم بدأت مكبرات صوت جيش الاحتلال بنشر بيانات تطلب من جميع مَن غادر قريته أن يعود إليها باستثناء ثلاث قرى هي (يالو) و(عمواس) و(بيت نوبا).. عندها بدأنا رحلة العودة إلى (بيت إكسا) مشياً على الأقدام وكان بيننا الأطفال والنساء والعجزة.. عند مرورنا بسهل الجِيب شاهدنا جثث مقاتلي الجيش العربي رحمهم الله وتقبّلهم من الشهداء ولكننا للأسف لم نستطع دفنهم لأن الجنود الصهاينة كانوا متمركزين في منطقة النبي صمويل المشرفة على الوادي ويقومون بإطلاق النار على من يقترب من الشهداء رحمهم الله تعالى..

دخلنا (بيت إكسا) فوجدنا الغراب قد ناح فوقها.. جميع البيوت مفتوحة ومنهوبة.. وجدنا كثيراً من ممتلكات أهل القرية بين الأشجار والكروم بعد أن سقطت من الصهاينة الغاصبين أثناء خروجهم من بلدنا.. كنا في حالة صدمة لا يعلم بها إلا مَن عاشها..

بعد الهزيمة تنحّى جمال عبد الناصر عن الحُكم فما كان من والدي رحمه الله بعد سماع الخبر إلا أن رمى المذياع على الأرض غاضباً وبدأ بتقريعنا على أي شيء نقوم به تنفيساً منه عن غضبه بسبب تنحي عبد الناصر.. كأن هزيمتنا كانت في كفة وتنحي جمال في كفة أخرى.. لا أدري لماذا كان أبي رحمه الله - بل كل شعوبنا خصوصاً في تلك الأيام - مخدوعاً ومفتوناً بعبد الناصر الذي دمّر أضعاف ما بنى!

عشتُ النكسة.. ثم انتفاضات وحروب.. وأرجو من الله أن أعيش كي أرى النصر المؤزر على أعداء الدين والأمة





أخوكم بكر يوسف شحادة غيث الكسواني

عمان ٢.٢١/٦/٥





في مثل هذا اليوم الخامس من حزيران عام 1967 أي قبل أربعة و خمسين عاماً تماماً وفي حوالي الساعة العاشرة صباحاً من يوم الاثنين وفي قريتي المقدسية (بيت إكسا) وفي منطقه تسمى (الوعر) أعالي القرية كنت ألعب مع أقراني فرحاً بطائرةٍ ورقية بدائية الصنع، وفجأةً شاهدنا طائراتٍ معدنية.. طائرات حربية حقيقية تأتي من جهة الشرق، ولم نسمع إلا أصوات الزغاريد تعلو بين بيوت القرية فرحاً بما سمعه الأهالي من إذاعة صوت العرب التي كانت تتلو بياناتٍ إخبارية - اكتشفنا لاحقاً بأنها كذب في كذب - تقول بأننا أسقطنا للعدو خمسين وستين طائرة!! فما كان منا نحن البسطاء إلا أن نفرح بما سمعنا غير واعين بأنه وهمٌ تبنّته الآلة الإعلامية العربية ممثلةً بإذاعة صوت العرب..





هنا، طلب مني والدي رحمه الله أن آخذ معي يوسف ابن أخي الأكبر بدر رحمه الله وهشام ابن أخي الآخر محمد رحمه الله كذلك إلى عمّان كانت بداية العطلة الصيفية المدرسية (لاحظوا كيف كان التنقل هيّناً بين القدس وعمّان في ذلك الوقت حتى على ثلاثة صبية أكبرهم أنا وعمري آنذاك لم يصل حتى لأربعة عشر عاماً!!)

انطلقنا من قريتنا إلى محطة الباصات في مدينة القدس كي نستقلّ إحدى الحافلات إلى عمّان، ولكننا لم نجد أي وسيلة نقلٍ في هذه الظروف فعدنا لقريتنا مشياً على الأقدام مروراً بقرية (بيت حنينا)، ما إن وصلنا حتى سمعنا المنادي يقول عبر سماعة المسجد بأن اليهود الآن في وادي (لفتا) ويتجهون نحو (بيت إكسا)! هنا خاف الجميع فهربوا خصوصاً بعدما علموا ما فعل اليهود الغاصبون من مجازر في قرية (دير ياسين) غير البعيدة عنهم.. تركنا بيتنا وتوجهنا إلى مغارة في (شِعب رزق) ووجدنا هناك عمتي حليمة حسين (إم محمد) وإم خالد زوجة علي النعسان وابنها خالد زايد (الدكتور في مستشفى حمزة الآن) ونفراً من دار أبو حبّابة.. نمنا في المغارة تلك الليلة ثم توجهنا في الصباح التالي أي يوم الثلاثاء إلى البرانس وبتنا ليلتنا الثانية في وادٍ بين قريتي النبي صمويل والجِيب.. ثم توجهنا إلى حي الأمعري في رام الله مروراً بقرى الجِيب ورافات وقلنديا.. وصلنا إلى بيت أحد أبناء قريتنا المقيم في الأمعري وهو السيد جميل العبد سمحان زايد، كان البيت فارغاً حين وصولنا ولكن خوار الأبقار كان مسموعاً بشكل واضح.. عندما سمع والدي رحمه الله صوت الأبقار علم بخبرته في تربية الأبقار أنها لم تُحلب منذ يومين أو ثلاثة فقام رحمه الله بحلب الأبقار كي يريحها من حملها.. بقينا في هذا البيت الفارغ من أهله يومين أو ثلاثة أيام.. ثم بدأت مكبرات صوت جيش الاحتلال بنشر بيانات تطلب من جميع مَن غادر قريته أن يعود إليها باستثناء ثلاث قرى هي (يالو) و(عمواس) و(بيت نوبا).. عندها بدأنا رحلة العودة إلى (بيت إكسا) مشياً على الأقدام وكان بيننا الأطفال والنساء والعجزة.. عند مرورنا بسهل الجِيب شاهدنا جثث مقاتلي الجيش العربي رحمهم الله وتقبّلهم من الشهداء ولكننا للأسف لم نستطع دفنهم لأن الجنود الصهاينة كانوا متمركزين في منطقة النبي صمويل المشرفة على الوادي ويقومون بإطلاق النار على من يقترب من الشهداء رحمهم الله تعالى..

دخلنا (بيت إكسا) فوجدنا الغراب قد ناح فوقها.. جميع البيوت مفتوحة ومنهوبة.. وجدنا كثيراً من ممتلكات أهل القرية بين الأشجار والكروم بعد أن سقطت من الصهاينة الغاصبين أثناء خروجهم من بلدنا.. كنا في حالة صدمة لا يعلم بها إلا مَن عاشها..

بعد الهزيمة تنحّى جمال عبد الناصر عن الحُكم فما كان من والدي رحمه الله بعد سماع الخبر إلا أن رمى المذياع على الأرض غاضباً وبدأ بتقريعنا على أي شيء نقوم به تنفيساً منه عن غضبه بسبب تنحي عبد الناصر.. كأن هزيمتنا كانت في كفة وتنحي جمال في كفة أخرى.. لا أدري لماذا كان أبي رحمه الله - بل كل شعوبنا خصوصاً في تلك الأيام - مخدوعاً ومفتوناً بعبد الناصر الذي دمّر أضعاف ما بنى!

عشتُ النكسة.. ثم انتفاضات وحروب.. وأرجو من الله أن أعيش كي أرى النصر المؤزر على أعداء الدين والأمة





أخوكم بكر يوسف شحادة غيث الكسواني

عمان ٢.٢١/٦/٥