نصار ابراهيم يكتب .. أيها المثقَّف لا ترقصْ.. "حاصِرْ" الطَّبّال!

ليس دور المثقف ووظيفته، كما أفهمها وأعيها، أن يكون مجرد دريئة صدّ، لتبرير وتغطية السياسي (سواء كان حزبا أو قائدا أو زعيما أو حكومة) ليجعل خياراته وقراراته سهله. دوره، إن جاز القول، أن "يُجَنِّن" السياسي. لهذا بالضبط نجد في الممارسة أن السياسي لا يتوقف لحظة عن محاولات احتواء المثقف وشرائه وإخضاعه، محاصرته وتجويعه، ترهيبه واعتقاله، أو حتى اغتياله.
دور المثقف أن يحاصر السياسي بالوعي الجماعي العالي، وأن يتجاوز السباحة على الشواطئ الضحلة ويغوص في الأعماق، أن يصعد الذرى البعيدة ليكشف ويرى أشمل وأبعد مصالح وحقوق وطموحات وأحلام الناس. دوره أن يذكِّر السياسي دائما بأصول الخطاب والكلمات وحق المسؤولية وجوهر التناقضات ليجعل هوامش مناوراته ومراوغاته ومساوماته على حقوق الناس والشعب صعبة إن لم تكن مستحيلة، فيجعله يتحرك باستمرار ويتصرف وكأنه على صفيح ساخن.
دور المثقف أن يحرس الخيارات والقضايا الكبرى. أن يلازم روح الشعب وأهدافه الكبرى وهويته وحقوقه وكرامته، بحيث لا يستسهل السياسي الهبوط عنها متكئا على تبريرات وميوعة وهيولة وتراخي وجبن وضحالة المثقف. هكذا يصبح السياسي مجبرا على الإرتقاء بفلسفته السياسية وأدائه وتكتيكاته ومواقفه وسلوكه بما يبقيه وفيا ومنتميا، عنيدا وحاسما، ذكيا مرنا ومقاوما، بحيث لا ينفصل أو يقطع مع مصالح وحقوق الشعب، فلا يسقط في مصيدة انتهاك الأهداف الجزئية للأهداف الكبرى، ولا التكتيك للاستراتيجيا، ولا يضحي بالغابة من أجل شجرة، ولا يبدد المستقبل من أجل الراهن، ولا يضحي بالعام من أجل الخاص الضيق والأناني، سواء كان ذلك الخاص شخصيا أو يتعلق بمصالح طبقة أو فئة مسيطرة. بهذا يحفظ السياسي تضحيات وإنجازات من سبقوا، ويحمي حقوق من سيولدون.
هذه هي المعادلة الناظمة التي يجب أن تحكم جدل المثقف والسياسي في المجتمعات المشبعة بالكرامة والحرية، الوفية لذاتها وهويتها وتاريخها وتخوض نضالا مستمرا من أجل تحررها واستقلالها الوطني التام. وغير ذلك لن تتجاوز العلاقة بين المثقف والسياسي علاقة الراقصة بالطبّال، أو العلاقة السائدة في خُمّ/قِن دجاج.



















