د.موفق محادين يكتب .. حياة عطية واحمد جبريل، الاشجار تموت واقفة

*-د.حياة عطية
اعرف ان الدكتورة حياة عطية، ما كانت لتقبل مقاربتها كأمرأة مفكرة ومقاومة على قائمة نسائية ، فهي ابنة افكار ومباديء انطون سعاده والخطاب السوري القومي الاجتماعي العابر للسلالات والقبائل والمذاهب والجندرية ، ولكنني لم اجد اشكالية كبيرة في التذكير بأن الازمنة الحديثة قدمت حالات نسائية تستحق التكريم والتقدير كنساء ، ومناضلات ، ومبدعات في الوقت نفسه ، من روزا لوكسمبورغ ، الى ايباروري الى سناء محيدلي ودلال المغربي وجميلة بوحيرد وتيريز هلسه الى حياة عطية.
المناضلة والاكاديمية والباحثة والناقدة الادبية والكاتبة المسرحية (مسرحية الدائرة) والمترجمة (عالم صوفي) والاعلامية الاستثنائية في زمن الحروب الاكثر خطورة وهي الحروب الاعلامية حيث لم تعد الحرب مجرد تغطية للوقائع او التعليق عليها بل المساهمة في انتاجها والسعي لتضليل الرأي العام ، ولا سيما مع الاجيال الجديدة من الثورة المعلوماتية ، وهو ما اوضحته عطية في مجمل مشروعها واضاءاتها واطلالاتها الاعلامية ، كما في رسالة الدكتوراة التي تناولت فيها قناة الجزيرة ودورها وظروف تأسيسها قبيل اشعال الشرق الاوسط بالحرائق الدامية والثورات الملونة .
وقد اسمعت الدكتورة كل من به صمم ولكن لا حياة لمن تنادي، لا من جماعة العقل المستقيل دون ادنى محاكمة او نقد ، ولا من جماعة الليبرالية المزعومة .
وبقدر ما كانت سورية ساحة للاشتباك بين الاصابع الخفية والمعلنة لمحور الشر الامبريالي – الصهيوني والرجعية النفطية والعثمانية ، وبين سجالات الدكتورة وموقفها المدجج بالوثائق ، بقدر ما كانت العراق قبل ذلك ساحة لاشتباك مماثل ولتحذيراتها في الحالتين .
فالاجندة الحقيقية للمحور المذكور هو اشعال الحرائق وتفكيك الدول وتفتيت المجتمعات الى مجاميع طائفية متناحرة وليس لنشر الديموقراطية المزعومة .
لقد ظلت الدكتورة حياة على مدار العقود السابقة ، تقارب السياسة من موقع المعرفة والانحياز لقضايا الامة ومقاومة يهود الداخل والخارج ، كما من اجل التحرير والوحدة القومية والتقدم والعلمانية .
ولربما للسبب المذكور لم يتوقف كثيرون عند السؤال التقليدي البائس ازاء الطيور المهاجرة كما في حالة الدكتورة (اردنية ام لبنانية) فقد نجحت وبصورة عفوية وعميقة في التماهي بين خطابها وبين مسقط رأسها في سوريا الطبيعية
*-احمد جبريل
من القادة القلائل في التجربة الفلسطينية المعاصرة ، الذي جسد في الواقع الحالة الفيتنامية ، القائد الراحل ، والمقاوم الصلب ، احمد جبريل (ابو جهاد) .
واذا كانت سيرته الكفاحية معروفة للجميع ، فثمة اضاءات اخرى على الخلفية السياسية لهذا القائد والتي تؤكد على ان النظريات لا تختبر في الكتب ووراء المكاتب بل في قلب الميدان كما جسدت ذلك التجربة الفيتنامية :
1- اذا كان غرامشي قد تحدث عن المثقف العضوي ، المشتبك والممارس يمكن القول ان جبريل كان حالة متقدمة مما يمكن تسميته بالمقاوم العضوي ، المنخرط بكليته وعلى مدار الساعة بين البارود والغبار والبنادق .
2- دون تفلسف في النظريات وقانون التناقضات ،امتلك جبريل ادراكا عميقا لهذا القانون في شقيه : الاساسي مع الامبرياليين والذي يشمل كل امم وشعوب الارض ، والرئيسي التناحري مع العدو الصهيوني ، ولا يجوز ازاحته نحو اعداء وهميين مزعوميين ، وذلك وفق المعطيات التالية:
ان هذا التناقض ، تناقض على مستوى الامة وليس على المستوى الفلسطيني فقط ، في ربط محكم بين العام العربي والخاص الفلسطيني ، فلا يكون هذا الخاص مقابلا او مجاورا او مستقلا عن العام ، وبالتالي فمعركة فلسطين معركة الأمة كلها وليست معركه الشعب الفلسطيني فقط، من اجل الانعتاق والوحدة والتقدم.ان هذا التناقض بطبيعته التناحرية لا يقبل اية اوهام من اوهام التسوية وما يقال حول حلول الدولة او الدولتين، وبسبب هذه الطبيعة ، فلا يحسم هذا التناقض الا بالقوة والسلاح والاشتباك الميداني مع العدو في اطار استراتيجية اعداد وعمل طويلة النفس .
وليس بلا معنى ان يهتم هذا القائد بالعمل العسكري واساليبه الى جانب الاهتمامات الاخرى ، ومن ذلك الخبرة الميدانية بالانفاق وحرب العصابات .ان تأكيد جبريل على التناقض التناحري مع العدو الصهيوني يمتد الى كل التجليات الاخرى العسكرية لهذا التناقض كما حدث مع حلفاء العدو الصهيوني ، من الانعزاليين في لبنان الى جماعات التكفير الارهابية في سوريا.



















