+
أأ
-

الصحفي هشام عودة يكتب.. خروف العيد .. دم يسيل ولحم يتسيد الموائد

{title}
بلكي الإخباري










ربما تآلف مع السكين ، لذلك لم يحاول التمرد على واقعه او الهروب من وظيفته ، والخروف الذي ارتبط في اذهان الناس بالنذر والعقيقة والاضحية ، صار مثلا للتضحية منذ وضع سيدنا ابراهيم سكينه على رقبته ليفتدي به ابنه سيدنا اسماعيل عليهما السلام ، والخروف الذي يحتفظ بدمه ليغسل وجه الارض وبعض الذنوب ، صارت مهمته تدخل في زيادة ميزان الحسنات عند اؤلئك الباحثين عن طريقة للتقرب بها الى الله عز وجل ، والمؤمنين الذين يسعون لغسل بعض ذنوبهم من خلال اضحية تليق برهبة المشهد.





رغم ان خرافا كثيرة يتم نحرها يوميا ، في بلاد المسلمين وغيرها ، الا ان العلاقة مع خروف العيد تظل علاقة مختلفة في الذاكرة الشعبية ، وذلك لاكثر من سبب ، اولها ارتباط تقديم الاضحية بعيد الاضحى المبارك في وسيلة للتقرب من الله وكسب المزيد من الحسنات ، وثانيها ان ملايين الخراف يتم ذبحها في هذه المناسبة في معظم بقاع الدنيا ، وثالثها ان كثيرا من المؤمنين الذين يعتمدون في ايام السنة على شراء ما يحتاجونه من لحوم من بين يدي القصابين ، يذهب بعضهم لجز رقبة الخروف امام منزله ، ليستفيد بذلك لدينه ودنياه معا.





خروف العيد ، صار في نظر الناس مثالا للطاعة حين ينقاد بسهولة امام جزار شاهر سكينه ، وانعكس ذلك على رسومات فناني الكاريكاتور وصائغي الامثال والاغنيات الشعبية ، وارتبط مصطلح الاضحية بمصطلح الضحية احيانا في ذهن العامة من الناس الى درجة اختلاط الامور عليهم في توصيف حالة خروف العيد.





ورغم ان الشريعة الاسلامية احلت انواعا متعددة من الاضاحي في هذه المناسبة ، مثل الجمال والبقر وغيرها ، الا ان الخروف هو الذي تصدر مشهد التعامل مع الاضحيات ، حتى غابت الانعام الاخرى ، او كادت تغيب عن قائمة التعامل من الاضحية في هذه المناسبة الدينية التي تتكرر كل عام.





في السنوات الاخيرة صار خروف العيد مجرد امنية ، قد لا تتحقق ، في بيوت الغالبية العظمى من الناس الذين تعودوا على استحضار سكاكينهم الحادة صبيحة عيد الاضحى المبارك ، وذلك بسبب غلاء الاسعار ، وتحول اضاحي العيد الى تجارة رابحة تجاوزت قدرة البسطاء من الناس على المنافسة ، لتصبح هذه الاضاحي حكرا على الاغنياء ، وقد تقود الى اعباء مالية اذا ما قرر مواطن من محدودي الدخل جز رقبة خروف في صباح العيد.





الذين يذبحون الاضاحي والذين لا يذبحونها ، يتشابهون ، الى حد ما ، في مائدة الافطار التي تفرض نفسها عليهم في صباح يوم العيد ، وهي كميات متفاوتة من اللحم المشوي ، بحسب القدرة المادية ، بطريقة تثير المتحلقين حول تلك المائدة ، وقد ينتظر بعض الفقراء مثل هذه المناسبة لتناول وجبة دسمة من اللحوم التي قد لا تتوفر لهم في مناسبات اخرى ، وتظل بالنسبة لهم عزيزة المنال.





مربو الماشية الذين ينظرون لايام عيد الاضحى المبارك كمناسبة استثنائية لتسويق خرافهم التي يحرصون على تربيتها وتسمينها طوال العام ، يتبادلون مع التجار هذه المهمة بحيث تكتظ المساحات الفارغة في المدن بقطعان الماشية ، من الخراف تحديدا ، لعرضها امام الراغبين بتقديم الاضحيات ، وان ظل الطلب محصورا على الخراف "الذكور" حين يدير المشترون ظهورهم للخراف "الاناث" التي لا سوق لها في هذه المناسبة الدينية ، التي اختلط فيها المادي بالروحي ، والحرص على نيل الثواب بالوجاهة الاجتماعية في بعض جوانبها.





جحوظ عيني الخروف ومعمعاته وتراقص فرائصه وهو يساق للذبح امام قسوة السكين وجمود قلب حاملها ، لا تؤثر على ارادة الذابح وقراره ، فهذا الخروف قد تمت "تربيته" لمثل هذه المناسبة ، وهي ذاتها المناسبة التي تزدهر فيها مهنة "القصابين" الذين يجهزون عدتهم الخاصة بهذا الطقس "الدموي" قبل ايام من حلول العيد ، فليس بالضرورة ان يقوم المضحون بذبح اضحياتهم بانفسهم ، اذ غالبا ما يلجأون الى هؤلاء "القصابين" الذين يسهلون عليهم مهمة الذبح والسلخ والتقطيع ، مقابل اجر معلوم يتضاعف في هذه المناسبة ، وقد يشمل معه شيئا من ملحقات الخروف كالجلد مثلا ، حيث تبدأ المهمة منذ الصباح الباكر لليوم الاول من ايام العيد ، وان كان الشرع قد حللها طوال ايام العيد ، الا ان الغالبية العظمى من المضحين يذهبون الى تقديم اضحياتهم في اليوم الاول ، ليكون لحم هذه الاضحيات على موائدهم طوال ايام العيد ، في وقت تذهب فيه ربات البيوت لتجهيز كميات ، قد تكون متساوية او متفاوتة في حجمها من لحم الاضحية ، لتوزيعها على الاهل والاقارب والاصدقاء والجيران ، كجزء من المتطلبات الدينية للاضحية التي يسعون من وراء ذبحها لكسب المغفرة والبركة والثواب ، وهكذا قد تدخل الى بيوت بعض الفقراء او اولئك الذين خذلتهم قدراتهم المادية على جز رقبة اضحية في هذه المناسبة ، كميات غير متوقعة من اللحوم تأتي الى منازلهم من الاقارب والاصدقاء.





خروف العيد ارتبط بايام الاضحى المبارك ، وسيظل كذلك الى ان يرث الله الارض وما عليها ، بسبب ما ارتبط في عقيدة المسلمين في هذا الشان ، وبدون منازع فان كمية الخراف التي تذبح كاضاح في مكة المكرمة في موسم الحج من كل عام ، تعد بالملايين ، وهي اكبر عملية ذبح للخراف تتم في مكان واحد وفي موسم واحد ، بسبب ارتباط الاضحية بمناسك الحج ، التي هي فريضة على كل حاج يزور بيت الله العتيق لاداء هذه الفريضة الاسلامية المقدسة.