"محمد داودية" ... بدر عبد الحق: المحنة والبطولة

تحدثت في الندوة التي اقيمت مساء امس في بيت الثقافة والفنون برعاية عطوفة أمين عام وزارة الثقافة الأديب هزّاع البراري وتنظيم منتدى الجياد للثقافة والتنمية، حيث احتفلنا بتوقيع كتاب (صحفي بحجم الوطن).
وتضمن الكتاب الذي قام بإعداده الأديب جروان المعاني، مسيرة الأديب والصحفي الراحل بدر عبد الحق.
ألقيت الكلمة التالية:
بدر عبد الحق: المحنة والبطولة
تنجِب الشعوبُ كاتبا وربما كُتّابا كل يوم، ولا تنجب الشعوبُ مبدعا كل عام. وربما لا تفعل، كل عشرة أعوام.
تميّز بدر بالرّقة في علاقاته، وبالشّدة في مقالاته. وتميز صاحبُنا بالود والعذوبة والدماثة، وكان لفرطِ دبلوماسيته يصلحُ سفيرا بامتياز.
وبأمانة فإننا لم نكتفِ من بدر عبد الحق، ولم نشبع منه.
قسا عليه الزمنُ مرات. فقد مُنِع من الكتابة في مطلع الثمانينات، مع عدد من كتابنا الكبار، وقت ان كان الكاتب فيلقا:
عبد الرحيم عمر وفهد الفانك وطارق مصاروة وفهد الريماوي وخالد محادين وفخري قعوار ومحمد داودية.
وتم تسفير بدر بالبيجاما من احدى الدول العربية، لا على جريمة احتيال، بل على كتابة مقال.
تزاملنا في كتابة المقالة الصحافية. وفي مجلس نقابة الصحافيين. وفي الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين. وفي الدفاع عن حقوق الانسان. وفي العمل من اجل الحريات العامة والديمقراطية والتنوير والحداثة.
تتمثل محنةُ بدر، وبالترابط، محنة زوجته سلاّمة والأسرة، في أنه غاب وتسرب وانحسر، في غير أوانه، فانطفأ وانكفأ الى عزلة قسرية وعتمة اجتماعية والى صمت شاقٍ مفجع.
لقد تألم ألما قاسيا مرا، اطلعتنا على نزر منه سلاّمة في كتابها "في انتظار البدر".
كان مرضُه أطولَ عملية اغتيال تعرض لها انسانٌ وانسانة وأسرةٌ رقيقة رهيفة. سَلاّمة الأم وثلاث بنيّاتٍ كزغب القطا: ميس و وسن و سمر.
صمت طويلا طويلا، هذا الذي دعا الكتاب إلى أن يلوذوا بالصمت، كي لا يضطروا إلى الكتابة خارج الهدف، لأنّ الصمتً صدقٌ، كما قال.
تميزت كتابات بدر بالإِِدهاش والسخرية اللاذعة والدعابة والتهكم، بحيث يمكن تصنيفه احد رواد الأدب الساخر، وهو ما تجلى في مقالته "مشروعٌ لإنشاءِ دولة".
استمرت محنة بدر 15 سنة ثقيلة قاسية عليه وعلى اسرته.
نعرف كلنا الكثير من السيدات الزوجات والأمهات والشقيقات والكريمات المجالدات، اللواتي كرّسن كلّ ما يجب، من اجل العناية بأزواجهن واسرهن.
هؤلاء، انجبتهن قيمُ بلادنا ومناقبُها العظيمة.
ومنهن زوجتُه سلاّمة التي حملته خلالها، على عمرها وروحها، فحفظت ضعفه وكرامته.
نفتقد بدرا الصحفي والكاتب، فالكُتّابُ وفرةٌ و كثرة، أمّا المبدعون فنُدرة.
احيي الكاتب هزاع البراري امين عام وزارة الثقافة وبيت الثقافة والفنون على احياء ذكرى بدرنا المحتجب، وهي السُّنّة التي تنعش الذاكرة الوطنية وتضيف الى معرفة الأجيال الجديدة، ما هو اصيل وابداعي.
ويجدر ان اذكّر بانه كان للمقالات حضور وتأثير لدرجة انها قد تخلق مشكلة أو تردم فجوة بين دولتين.
فقد حصل ان عاتب الرئيس الفرنسي شيراك، الملك الحسين وهو يستقبله على درج الإليزيه، على مقالة لخالد محادين في الرأي، وكان خالد مديرا للاعلام في الديوان الملكي.
كان الجميع في الأردن يبدأ نهاره بقراءة الصحف: الملك ورئيس الوزراء ومدير المخابرات ومدير الأمن ووزير الإعلام والوزراء والأحزاب السرية والسفارات والإذاعات.
وكان الكاتب يهز ويعز، وله "وهرة".
كتب بدر عبد الحق مقالة، اشفق فيها على اللص الذي تسلل إلى بيته، فلم يجد ما يسرقه، الا جهاز تلفزيون «سكراب» قديم.
اتصل الملك الحسين صباح نفس اليوم مع الكاتب بدر عبد الحق ومازحه طويلا، واوعز بإرسال أحدث وأكبر جهاز تلفزيون في البلد الى بيته. وقد اخبرتني زوجته سلاّمة انها ما تزال تحتفظ بهدية الملك!!


















