المحامي طارق حياصات يكتب | الحكومة البرلمانية بين الطموح والواقع الأردني

إذا ما علمنا وأخذنا بعين الإعتبار بأن أقدم ديمقراطيات العالم وهي بريطانيا تمكنت من الإنتقال لنظام الحكومة البرلمانية ( الذي يعد حالياً من أنجع وأنجح التطبيقات فيما يحدثه من توازنات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ) بعد مرور مئات السنوات المشهودة بمحاولات الإرتقاء والتطوير والعراكات السياسية والإجتماعية والشعبية التصادمية مع الطبقة الحاكمة ورجال الدين ، فإن الحديث عن حكومات برلمانية أردنية ستُخلق بين ليلة وضحاها بمجرد تعديل النصوص لهو أمر أشبه بالحديث عن تحقق مستحيلات الأرض الثلاثة ورابعها المجهول حتـى زماننا الحالي .
لذلك فإن تطبيق نظام الحكومة البرلمانية الأردنية من خلال معادلة حرق الأزمان دون تهيئة البيئة الحاضنة السليمة والأرضية الملائمة لها ، وكذلك إغفال واقع العراقيل وإشكاليات التطبيق والتنفيذ التـي سيتم الإصطدام بها عاجلاً أم أجلاً نتيجة :
الأثار المترتبة على تعدد وتباين ( وأحياناً ) تناقض الأفكار المطروحة والغايات المنشودة بين متصدري مشهد الإصلاح من ثوار شعبوين وناشطين وحراكيين ودعاة للحريات العامة والديمقراطية ( وبمن فيهم بعض أعضاء اللجنة الملكية للتطوير السياسي ) ، وبين قوى الشد العكسي الراغبة والطامحة بإبقاء الحال على ما هو عليه لضمان نفعها وإستقرار مزاياها ، وما ستفرضه هذه المعادلة الإصطدامية والتنافسية من فرز لفئتين : إحداهما مؤيدة بالمطلق لمقررات ومخرجات اللجنة ، وأخرى رافضة ستعمد ( وفق المتوقع ) إلى تكريس جُل جهدها وإمكانيتها للتشكيك والطعن بالمخرجات والمقررات ، والمراهنة والعمل تبعاً لذلك على فشل وإفشال التجربة ودون أدنى مشاركة منها بأي جهد سيبذل لتحقيق التطبيق الناجع لها ، وجميع ما سبق من إعتبارات سيؤدي وفق التجارب السابقة ( رغم شكليتها وهلاميتها وعدم جديتها ) إلى زيادة فقدان ثقة المواطن وتوسيع هامش ونسبة المقاطعة الشعبية للعمل السياسي المنظم والإنتخابات النيابية . عدم أهلية الغالبية العظمـى من الأحزاب ووالتنظيمات والقوى السياسية الموجودة حالياً على الساحة الأردنية من الإطلاع بمهمة توجية الجماهير وجذبها بإتجاه التأطير الحزبي رغم طول التجربة منذ العام 1989 وحتـى تاريخه ، وهي فتـرة على الرغم من نسبيتها إلا أنه ثبت خلالها معاناة هذه الاحزاب والقوى والتنظيمات من حالات الإعياء والإنهاك وبيروقراطية وشكلية أعمالها وإجتماعاتها إن وقعت ، وإصابتها بالعجز التام الذي أقعدها عن تقديم بـرامج فعلية قابلة للتطبيق على أرض الواقع ، ناهيكم عن تعلق جزء كبيـر من هذه الأحزاب لإنتماءات وإتجاهات ونزعات وأفكار عابرة لحدود الوطن .حاجة الأحزاب السياسية المستحدثة ( التـي يتم الحديث عن تأسيسها مستقبلاً ) لإنجاح وتطبيق التجربة لفتـرات زمنية طويلة لإحداث الأثر المنشود في التأثير على الحشود وتغييـر قناعاتهم وإتجاهاتهم وسُبل ممارستهم للعمل السياسي ، وهي فتـرة يمكن من خلالها العمل على تحقيق الثنائية الحزبية المطلوبة لتشكيل الوزارة برئاسة رئيس الحزب الفائز في الإنتخابات وفق ما هو مطبق في الدول التـي لجأت لتطبيق نظام الحكومات البرلمانية ، ( مع مراعاة صعوبة التجارب في تشكيل الوزارات من خلال إئتلاف بين الأحزاب في حال تعددها وذلك لإختلاف أيدلوجيات وبرامج وأهداف كل منها ) . العادات المجتمعية المقترنة بالإختيار والإقتـراع على أسس القبيلة والعشيرة والجهة والناحية والإقليم والمحافظة والفزعة والعلاقات الإجتماعية … الخ ، ناهيكم عن تأثير المال السياسي المتوقع عدم نضوبه وإنتهاء وجوده سريعاً . القناعات المتولدة والمتوارثة مجتمعياً عبـر التجربة الطويلة من عمر الدولة الأردنية بأن المنصب أو الموقع السياسي يدور في فلك التنفع والإستفادة لممارسي السلطة ، وتقديم الخدمات والوساطات والتعيينات وتقديم الرعاية الصحية وإشتراكات المياة والكهرباء والتعليم ،،، الخ …. للناخبين . تدخلات الدوائرة الأمنية وما تفرضة من إحكام لسيطرتها الشديدة على العمل السياسي من نواحي الإختيار والدعم والتوجيه والإدارة .
( وغيرها الكثيـر الكثيـر من الإعتبارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية ،،، وقد أوردنا أهمها بمنظورنا الخاص )
سيؤدي لا محالة إلى فشل التجربة وتحطم الأمال والطموحات بشكل مرير ومحبط ينعكس طردياً بزيادة السخط الشعبي على العمل الحكومي والبرلماني ، والمقاطعة التلقائية للعمل السياسي والإنتخابي ، وفقدان ثقة المواطن بشكل أكبـر مما هو عليه حالياً في الحكومات والمجالس النيابة والإدارة العامة ككل .
لذا فإن الواجب يقضي بضرورة التمهل والتفكيـر خارج الصندوق المغلق وعدم التعجل ( ولا سيما بأن اللجنة الملكية جاءت بمصطلح التطوير السياسي لوصف أعمالها وهو ما يعتبـر منطقي وواقعي لأن التطوير ما هو إلا تمهيد للإصلاح الشامل ) ، والنظر إلى المشهد الوطني بأكمله من كافة النواحي ، ومن ثم تقديم موجبات وآليات التحول سياسياً من بوابة الحلول للأوضاع الإقتصادية السيئة والمتهاوية ، والحلول للأوضاع المجتمعية من ناحية العادات والنظرة والقناعات لمفهوم العمل السياسي الذي يباشر من البرلمان وعدم حصريته وفق مفهوم الغالب الأعم بتقديم الخدمات في ظل تأكل وهرم المنظومة الخدمية في الوطن ، وجميع ما سبق من الممكن تحقيقه من خلال تجويد نصوص قانوني الأحزاب والإنتخابات اللذان يعتبـران الحاضنة الفعلية للعمل السياسي الحزبي ، وتعديل هذه النصوص المرة تلو الأخرى وفق مخطط متدرج مقرون بهامش زمـني لتحقيق نسبة عالية من النجاح في التطبيق لإجاد حكومات برلمانية أردنية وطنية .


















