إلى جلالة الملك.... عن الخطوط الحمراء

بلكي الإخباري
د. فداء التميمي
ابتداءً، لا بد من اعلان المسلمات الثلاث التي رضعناها من صدور احرارنا: الله، الوطن، المليك. فَربُ كل من ضمّه حضن الاردن واحد، والوطن للجميع يأويهم ويحموه. والمليك مرجعية الحكم شرعيةً ومشروعيةً. فلذلك، لا مجال لمزاود بالانفراد بالانتماء الخالص للوطن، او الولاء لآل البيت. فوالله مع كل قطرة دمعٍ سكبتها امهاتنا، وعرقٍ تصَّبب من جباه اباءنا، وحليبٍ أرضعناه لصغارنا نقول: يا رب تحمي البلد. ومصيبتنا اننا عند البعد عنه، نسكب عليه دمعَ الشوق. وعند النقد عاليا، نُبقي هاماتِنا ما دون ثراه. حتى عند ترحالنا لراحة النفس، تبقى انفاسنا تعبق بطيب عطره.
وعليه، فاذا ما صرخنا باعلى الصوت ان سياسات الحكومات المتتاليه ستؤدي بالبلد الى الهاويه، فاننا نقولها حرقةً على وطنٍ نشأنا ونحن ننشد له "اردن ارض العز" وعلى قيادة تربينا ونحن نهتف لها "بالروح بالدم". فلقد توالت الازمات، وزادت الانفس حنقا. وبدأت الحلول من جيب المواطن وعلى حساب اساسيات مأكله، ومشربه، ودوائه. شددنا الاحزمه في وقت كان مصاصوا الدماء يقتاتون على مدخراتنا ومقوماتنا. تكَشَّفَ حجم الفساد، وندر ان تجد من لا تشير له باصبع الشك. بيعت وخصخصت مصادر الوطن، وراح المال هباءً منثورا. ما بقي من شئ الا وتاجرنا به. وبقيت المديونيه تزداد والفتق يزداد اتساعا بايدي الناهبين.
عوامل الاشتعال كثيره: جوع، وفقر، وعوز، ومحاباة، وانتهازية، وتكسب، واستغلال. والامثله على السن الناس مدار السمر وجوامع السهر. التعينات في المناصب القيادية تحي من كانت عظامه رميمه. والتنقلات الاداريه تعيد تدوير من احدودب فكره قبل ظهره. فجوة الثقة بين اركان الدوله والمؤسسات الرسمية وبين المجتمع تتزايد. واعلامنا لا يحسن اكثر من فوائد الميرميه واساليب تنظيم النسل. كان لدينا بيوت عزاء في شمال البلاد وجنوبها اثر حادثة الكرك. واعلامنا يصرح بمغادرة الملك للبلاد في زيارة خاصة!
حدود الغضب في رقعة الوطن اصبحت من "اصحي يا قريه" في الجنوب الى "المواطن أكل ...." في الشمال. لعبة الارقام غيَّبت الحقيقه عن صاحب الامر. فهل يعقل أن يكون خط الفقر المطلق في الاردن هو 69 دينار اردني شهريا. فاذا ما كسب المواطن اكثر من هذا الرقم يكون قد تجاوز خط الفقر المطلق. وعليه يكون حوالي 15% من الشعب الاردني فقط في دائرة الفقر المطلق. أي مهزلة هذه. هل مررتم ببيوت من لا تأويهم اسقف، ولا تسترهم جدران، ويكتفون بوجبة كل يومين لتجاوز ايام الشهر. لقد رأيت هذا بام عيني. هل تعلمون ان اجور البيوت ارتفع بنسبة لا تقل عن 100%. هل تدركون ان قيمة الشيكات المرتجعه بنهاية عام 2016 كانت قرابة المليارين؟ هل يعقل ان ارقام الحكومه الرسميه بخصوص الفقر تعود الى أحصاءات عام 2010 المستنده على مسح ميداني لعام 2008؟ لماذا تُخفي الحكومه نتائج الدراسات الاخيره عن الفقر والتي اجرتها عام 2015. هل ستذهلنا الارقام؟ اين نتائج استراتيجية الحكومه لعام 2013 والتي وضعت صوب اعينها تخفيض نسبة الفقر الى النصف تدريجيا حتى عام 2020؟ بقى لهذا العام ثلاث سنوات والشواهد تشير الى تزايد العنت لا انخفاضه.
جلالة المليك،
أخذ الناس يخلط بين لقب رئيس الحكومه "كدولة" وبين اركان الدوله. ارتفعت اصوات اللعن على اصحاب الدوله وأخذت بالتشكيك بكل اركان الدوله. فتجاوز النقد خطوطاً كنا نظنها حمراء، وبدأت الهتافات تتصاعد وتيرة دون ضوابط. غياب المعلومه في ظل عجز اقتصادي متزايد وضرائب تنهش بعظم الشعب ستفجر غضبا لا يحمد عقباه. حكومتك سيدي لا تفقه ابجديات الاقتصاد. حل العجز الذي وصل الى 26 مليارا و120 مليون دينار في نهاية شباط من العام الحالي لا يكون بمزيد من الضرائب، بل بمزيد من المشاريع الانتاجيه. تخفيض العجز يكون باعلان خطة طوارئ لالغاء كافة الامتيازات والبدلات عن اصحاب الادارات العليا في الدوله ولمدة زمنيه معينه. تخفيض العجز يكون بمراجعة صادقه لانتاجية مؤسساتنا وهيئاتنا التي فرخت مافيات شلليه تقتات على اموال العاجز. تخفيض العجز لا يكون بأستنبات ضريبه من ضريبه.
جلالة الملك، كثرة الشائعات التي وصلت حدود جلالتكم واسرتكم، واصبحت تؤثر سلبا على مستقبل وامن واستقرار البلد. والمصيبه ان الاوساط النخبويه والاعلاميه وبسبب تدني مستوى خطابها وطرحها، جعلت من هذه الاشاعات مدار حديث على السن العامه. وتأتي حكومتنا العتيده وتزيدنا جوعا وفقرا واسعاراً ستولد بيئةً حاضنه لهذه الاشاعات.
جلالة الملك، كنا في الاردن نشعر بقرب القصر من الشعب. كنا نهدد بعضنا بعبارة "والله ما يرد راسي غير ابو عبدالله". كنا نصطف على قارعة الطريق صغارا وشيوخا لنحظى بلمحة طرف من الراحل العظيم. فهل ما زال الامر كذلك؟ لتقوم فرق البحث والتقصي بدراسة اثر سياسات الحكومه على الشعور بالمواطنه والانتماء لدى الناس. وهنا تتكشف لجلالتكم مدى نجاعة خططنا. الهدف الاول لكل خطط الدول هو زيادة الوعي والانتماء لدى المواطن. فهل تحقق هذا بعد سنوات من سياسات اوصلتنا الى ما نحن عليه الان؟



















