أبو جدعان.. «بطل من وطني» تعتصـره ظروف الحياة وتأبى عليه عزة النفس طلب الحاجة (2015)

بقلم الصحفي : عمر المحارمة - المقال منشور بعام 2015
حرا شامخا، بقي على ثغر من ثغور الأردن، لم توقفه رصاصات استقرت في جسده عن الصمود في موقعه لينجح في تدمير أربع دبابات إسرائيلية خلال مشاركته في معركة اللطرون الشهيرة التي سجل فيها الجيش العربي أروع قصص البطولة والبسالة.
أستقبله الراحل العظيم الملك الحسين بن طلال رحمه الله بعد بقائه في الاسر لمدة أربعة شهور ليعود الى الخدمة في كتيبته التي اطلق عليها المغفور له اسم «أم الشهداء» وهي كتيبة الحسين الالية الثانية التي استشهد قائدها منصور كريشان ووقع كل افرادها بين اسير وجريح وشهيد فلم ينج من بين 800 ضابط وجندي كانت تتشكل منهم الكتيبة سوى 17 عسكريا وهي الكتيبة التي كلفت بالدفاع عن اسوار القدس القديمة.
اصر قائد الجيش الإسرائيلي «موشيه دايان» على مقابلته ولقائه بعد أن شاع صيته بين المتحاربين نظرا للصمود البطولي الذي أبداه في أرض المعركة فكان له حديث شهير معه كتبت عنه الصحف الاسرائيلية في حينها وكان ملخص ما قاله لديان: «ترجم يا مترجم، وأسمع يا اعور جيشك جبان، إلك عندنا يوم، والحرب كر وفر، واليوم إلك وبكره عليك».
البطل مصطفى جدعان وراد الخرشه «ابو جدعان» من مواليد قرية ام الينابيع لواء المزار الجنوبي في محافظة الكرك، التحق بالجندية في اب من العام 1952 وتقاعد في حزيران من العام 1973 خاض خلال خدمته معارك الشرف والبطولة في حرب حزيران ومعركة الكرامة وهو بطل كغيره من ابطال الجيش العربي الذين لم ننصفهم ولو بتسجيل البطولات التي سطروها أو الوفاء لهم وهم يعيشون الآن سني عمرهم المتأخرة.
يعاني أبو جدعان حاليا ظروفا لا تليق بمثل هذا البطل وتعانده الحياة وتقسو عليه فلا تسمع منه الا كلمات العشق والتغني بتراب هذا الوطن، ولا يقبل أن يكون تاريخ بطولاته مع رفاق السلاح وموضع الرصاصات في جسده مجالا للمزاودة او طلب الامتيازات والاعطيات.
ابو جدعان الذي استبسل في حرب حزيران عام 1967 بالقدس الشريف في اللطرون وباب الواد والشيخ جراح فلم تخفه طائرات ومدافع ودبابات وبنادق العدو وبقي على مدفعه الصغير حتى دمر أربع دبابات إسرائيلية قبل أن تغلبه جراحه ويقع اسيرا في أيدي الأعداء.
ابو جدعان الذي بقي مع رفاقه في الاسر مدة اربعة شهور وتم فك أسرهم بصفقة تبادل أسرى، فاستقبلهم جلالة الملك الراحل الحسين في قاعدة المفرق العسكرية وقال لهم «اهلا برافعي رؤس الاردنيين والعرب» يعيش اليوم في بيت من الطين سقطت أجزاء من سقفه في العاصفة الثلجية الأخيرة.
أبو جدعان الذي أرسل اليه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل حينما كان وزيرا للاعلام في حكومة الرئيس جمال عبدالناصر رسالة بمقالة عبر صفحات صحيفة الاهرام المصرية عقب حرب حزيران حملت عنوان «ان وصلتك صباحا فصباح الخير وان وصلتك مساء فمساء الخير يا ابا جدعان»، لا يحمل أوسمة البطولة ولا يدعى الى الاحتفالات والمناسبات الوطنية لكنه يحمل حتى اللحظة ثماني رصاصات لا زالت داخل جسده النحيل يفخر بها ويروي لابنائه وزواره قصة كل رصاصة منها.
ابو جدعان لم يلتحق بعد أن أنهى مشوار العسكرية بوزارة ولم يرشح اسمه ليكون احد اعيان هذا الوطن ولا حتى طلب المساعدة والعون وهو بأمس الحاجة لهما، ولم يغادر حدود الوطن الا معتمرا او حاجا ولم يعين ابناءه في وظائف الدرجة الاولى أو ابتعث ايا منهم للدراسة في اكسفورد او هارفارد.
ابو جدعان يمتلك تأمينا صحيا عسكريا فقط ولم يطلب يوما علاجه في مستشفيات امريكا ودول أوروبا ولم يمتلك يوما سيارة تقله الى حيث يريد ولا يعيش في الفلل الفارهة ولا يمتلك مزرعة يقيم فيها الحفلات والولائم، بل يعيش في منزل متهالك مكون من غرفتين سقط سقف إحداهما خلال العاصفة الثلجية الاخيرة، ويمتلك الى جانبهما اربع دجاجات، ورأسين من الماعز ولديه خمسة ابناء يواصل إثنان منهم مسيرة الاب في صفوف الجندية فيما لا زال الثلاثة الباقون يلهثون خلف فرصة عمل.
ابوجدعان.. يمتلك الشرف والرجولة والاخلاص والكرامة وتابى عليه عزة النفس أن يعلن حاجته أو يتحدث عنها فهل يجد بيننا من يمد له يد العون إكراما لكل الشرف والتاريخ الذي منحنا إياه..؟



















