ربا عياش تكتب : نظام عالمي مُعطل

نظام معطل، منتهية صلاحيته، قُصد بوجوده تأجيج وتعزيز الصراع.
لماذا حقيقة لا يقف العالم وقفة واحدة ضد هذاالنظام العالمي المُعطل ؟
ولماذا لا يتم حل كل المؤسسات العاجزة حتى عن تحقيق أي إنجاز صغير عملي حقيقي واحد في أي دولة؟
منظمات إقليمية وأخرى دولية، تم أنشاؤها للمساعدة في تنمية الدول من خلال مؤسسات مختلفة معنية بالاقتصاد و الثقافة والتربية والعلوم وغيرها.
مؤسسات أُنشئ معظما في الأربعينيات من القرن الماضي، على أساس أن تكون تحتضن كافة الدول، وقادرة على التوسط فيما بينها لحل النزاعات والخلافات، والإشراف على توصيل المساعدات الإنسانية اللازمة.
قمة تلو قمة.. اجتماع تلو الآخر، أعضاء في هذه المنظمات من كافة الدول، مناصب شرفية، وما يتبعها من مستحقات ومكاسب، تكاليف ومصاريف مهولة في الاجتماعات وغيرها من الفعاليات المقامة.
وفي النهاية، ما الأثر الحقيقي التي تتركه وتخلفه هذه المؤسسات؟
ألم تهرم تلك المؤسسات؟ ألم يهرم من يتولوا قيادتها؟
ألم تصبح هذه المنظمات بأجهزتها عاجزة عن أداء أي مهام؟
فلنأخذ مثالا، الأمم المتحدة، تأسست في أعقاب الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، وأهدافها الأساسية والمهمة الرئيسية، صون السلم والأمن الدوليين، من خلال منع الصراع، ومساعدة أطراف النزاع على صنع السلام، ونشر قوات حفظ السلام، وتهيئة الظروف للسماح للسلام بالازدهار، التعاون على حل المشاكل الدولية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان.
إذا هي عرابة السلام، إنه لأمر جميل.
لكن، خلال 77 عاما، ما الذي حققته حقيقية هذه المؤسسة؟
بمجلس أمنها، وجمعيتها العامة، وأجهزتها الأخرى.
وما أثرها الحالي على أي من الصراعات الدولية؟
قمة تلو الأخرى، اجتماعات طارئة تلو الأخرى؟
بيانات لا متناهية من شجب، استنكار، شعارات تلو الشعارات، دعوات للسلام والأمن.
حسنا لا أريد أي جهود حقيقية من الأمم المتحدة لقضايا الشرق الأوسط.
لا نريد حلا لأي صراع في الشرق الأوسط، فلنقل أن هذه المنطقة ملعونة، لا بأس في ذلك.
لكن، ماذا فعلت هذه المؤسسات بالصراع السوادني الإثيوبي؟ ماذا فعلت اتجاه صراع باكستان والهند؟
كيف استطاعت حماية مسلمين الروهينجا؟
أي حقوق إنسان أعلت من شأنها؟
أي قوانين تخص المرأة في الدول المتأخرة حرصت على تغييرها؟
ما تأثيرها حتى في الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة؟
وأي تدخل عظيم تم في الأزمة التركية اليونانية؟
هل قامت بإعلاء اسم الإنسانية على التطرف والتعصب والطائفية؟
هل استطاعت حماية القارة الإفريقية من الأطماع الغربية؟
وهل استطاعت أي من المنظمات خلال سبعين عاما من تحسين ظروف الدول الإفريقية التي تعج أرضها بالذهب والألماس والخيرات من كل الأنواع، لكن لسخف الحياة وسخطها، لا يستطيع أهلها حقا التمتع بما تحمله أرضهم؟
بعد قرابة قرن على حروب عالمية، ومعاهدات سلام هشة، وتقسيم مجحف للدول، وتحالفات متأرجحة..
بعد قرابة مئة عام على أحداث دامية، وصراعات لا تنتهي، في كافة بقاع الأرض، وأزمات مستمرة، مبنية على شجع حيتان الشركات العالمية.. ماذا الأثر الذي تخلفه هذه المنظمات؟
أو أنها منظمات وجدت من أجل تشريع ما هو ليس شرعي في هذا العالم.
منظمات مُعطلة، منتهية صلاحيتها، قُصد بوجودها تأجيج وتعزيز الصراع.
صراع اقتصادي وسلطوي بين الصين والولايات المتحدة
صراع في آسيا مبني على أساس ديني وعرقي
صراعات بين أطراف مختلفة حول السيطرة على المنافذ البحرية، والبرية، وحقول الغاز المهولة المكتشفة، علاوة على الهيمنة السياسية والاقتصادية.
خلال عشرين عاما، تم تدمير أنظمة بأكملها دون حق، ومن لم تتمكن الأطراف المهيمنة القوية من تدميره بالدبلوماسية وبأيدي ناعمة تم اغتياله علانية.
دول تم القضاء عليها، ونهب ثرواتها، وتدمير بنيتها التحتية، وبث السموم الفكرية بها وتشريد الملايين، وتجويعهم وتجهيلهم بحجة "نشر الديمقراطية" أو مخاوف من حيازتها لأسلحة مدمرة، أو القلق والخوف من أنشطتها النووية.
حجج واهية، وسلام هش، وديمقراطية عفنة، قضت على حياة الملايين، وشردت الكثيرين.
حيتان الشركات، وأصحاب السلطات، عبثوا بقدر البشرية.
المشكلة حقيقة تكمن بالفساد الإداري المستشري في العالم أجمع، نعود ونؤكد على أن المتواجد حاليا هو نظام اقتصادي سياسي اجتماعي مُعطل تماما ولا يعمل.
والسلطات تحب هذا النظام الذي يمكنها دائما من إيجاد ثغرات للخروقات الإنسانية اليومية والاقتصادية، ولتعديل ما تريد كيفما تريد دون حسيب أو رقيب.
حتى الدول المتقدمة، مثل كندا التي شاهدها وهي تكشر عن أنيابها وتكشف عن وجهها الآخر، حين بدأت باستخدام قواها وديكتاتوريها خلال فترة وباء كورونا، من خلال إجبار الجميع على أخذ التطعيم بأبشع الوسائل والطرق والتهديدات.
حين تكون "الإدارة" فاسدة، في نظام عالمي لا تعمل قوانينه، ولا يتم تطبيق بياناته، ولا حول له إلا القلق والاستنكار، والمناشدة بإحلال السلام، يسهل اختراقه والهيمنة عليه حقيقة على جميع الأصعدة.
حتى يتسرب الفساد إلى المواطن، وإلى أصحاب المناصب الكبيرة والصغيرة، والموظفين الذي يعملون في كافة هذه المؤسسات الذين ينادون بالسلام والعدالة والديمقراطية والحرية والإنسانية، بينما حقيقة هم فقط يستمتعون بمناصب شرفية، امتيازات مادية ومعنوية، ويحققون طموحاتهم وأحلامهم الفردية، ويبنون أساسات قوية لأنفسهم وأبنائهم على حساب قضايا إنسانية.
ستقول لي إن انتقادي قاسي وغير رحيم!
اجلب لي مثلا واحدا .. حدثا واحدا.. قضية واحدة.. استطاعت هذه المؤسسات إيجاد حل جذري لها، أو التقليل حقا من أضرارها؟
قوات حفظ السلام غير قادرة على ردع صواريخ إسرائيل ولا قادرة على تبديد أي توتر على الحدود بين إسرائيل وسوريا ولبنان.
قوات حفظ السلام غير قادرة على حل أزمة دارفور أو تيغراي.
لا سلطة على كوريا الشمالية وجنونها.
ولا سلطة قادرة على معرفة حقيقة أنشطة إيران النووية.
ولا أحد قادر على تحرير سفينة تحتجزها إيران.
لا أحد قادر على وقف أنشطة إيران العسكرية في سوريا، ولا وقف التحركات الروسية في سوريا ولا حتى وضع حد لسرقة الولايات المتحدة لغاز ونفط سوريا.
لا أحد استطاع محاسبة الولايات المتحدة على تدميرها للعراق، وإثارتها للنعرات الطائفية.
ولا أحد قادر وضع حد لإسرائيل وجنوحها.
ولا أحد قادر على محاسبة فرنسا، بوضعها دستور مهترئ مبني على نظام طائفي شيطاني في لبنان، أو على قتلها مليون جزائري في قديم الزمان أو سرقاتها المستمرة لثروات القارة الإفريقية.
أي أحد قادر على محاسبة إيطاليا بسرقاتها لليبيا؟
أي منظمات قادرة على مساعدة سيرلانكا المثقلة بديون خارجية قدرها 25 مليار دولار، سيرلانكا التي قضى على اقتصادها وباء كورونا وفسادها المستشري كافة مفاصلها.
ومن ينقذ لبنان من إفلاسه؟ ومن يعيد للمواطن اللبناني أمواله المنهوبة؟
أي قمم وأي اجتماعات حقا قادرة على حل أي من كل تلك المشكلات؟
من يعيد 10 مليون سوري إلى بلادهم و12 مليون فلسطيني إلى أرضهم الضائعة؟
من يعيد للشباب أحلامهم؟ من يضمد آلام الإيزيديين الذين نكل بهم الدواعش؟
لا أحد، لا مؤسسة قادرة على إصلاح ما تم تدميره
ولا طرف يريد أن يدفع مقابل الخراب الذي تسبب به
الجميع يملك أموالا للتدمير، للعبث بمستقبل الآخرين، لكن يبدو أن لا أحد يريد السلام.



















