غصن الزيتون والبندقية ياسر عرفات

كتب : محمود جودت محمود قبها
اليوم سأكتب عن ياسر عرفات كما نراه وكما هو فينا وحتما" لن أوفي هذا القائد حقه فهو القائد المؤسس وهو الرئيس الشهيد وهو بلا تردد من رسخ الهوية العربية الفلسطينية لهذا الشعب العظيم في كل المحافل عند الكتابة عن ياسر عرفات من الطبيعي أن تتداخل المشاعر مع الأفكار بل من الطبيعي أن تنتصر المشاعر على الأفكار فقد كنا وسنبقى نحب ياسر عرفات القائد ياسر عرفات المؤسس ياسر عرفات الأب وياسر عرفات الإنسان وحتما كنا وسنبقى نحب ياسر عرفات الرئيس الشهيد القائد العظيم ونعيش قصة حب كبيرة وعظيمة لياسر عرفات حيث أن الكتابة عن ياسر عرفات واجب وطني" ونضال وحيث أن تعزيز مكانة وسيرة وحضور هذا القائد فينا هي تعزيز وترسيخ لحقوق الشعب الفلسطيني الساعي للحرية والتحرر والسلام ، وحيث أن سيرة ومسيرة ياسر عرفات بكل ما فيها هي فلسطين ، فلا يمكن الحديث عما مرت به قضية فلسطين دون التطرق أساسا إلى ياسر عرفات من حضور فلسطين وجعلها ترتبط به فإن الكتابة عن فلسطين وتعزيز حضورها الوطني والعربي والإنساني.
قصة الحب لياسر عرفات تشمل الكل الفلسطيني بيننا قصة الحب لياسر عرفات تشمل كل فلسطيني بوصلته فلسطينية تٌشير فقط القدس وحق العودة وكل تاريخ فلسطين وينطبق الأمر على كل عربي ، قصة الحب لياسر عرفات تشمل كل فلسطيني مؤمن بالحق وبالحرية وحتما" كل حٌر لم يبع نفسه للشرق أو للغرب وحافظ على هويته وإنسانيته والأمر الأغرب الذي يربكني عند الرغبة في الكتابة عن ياسر عرفات هو الزمن أو التوقيت فهناك تداخل غريب بين الماضي والحاضر والمستقبل فتارة أكتب عنه بصيغة الماضي ومرة أخرى بصيغة الحاضر والأغرب بأنني قد أكتب عنه بصيغة المستقبل بالمختصر تبين لنا بأن ياسر عرفات لا يمكن أعتباره ماضي حيث أنه ما زال فينا حاضرا" بحب، فهو حاضر وأن كان قد رحل وكذلك ما زلنا ننتظر ياسر عرفات مستقبلا" لينهض بنا وليتقدم بشعبنا لاستعادة حقوقه التاريخية فهو مستقبل .
ياسر عرفات هو الماضي والحاضر والمستقبل معا كلنا ياسر عرفات
وطبعا هناك تداخل عجيب أخر بين مفهوم الغياب والحضور ياسر عرفات ورغم غيابه الجسدي فهو لم يغب عنا بل أن الغريب في الأمر بأن حضوره بات أكثر وأكبر وبات محل إجماع من اتبعه ومن عارضوه وقد قيل لنا دوما في وصف أبو عمار من معارضيه( بأننا نختلف معه ولا نختلف عليه) ومع ذلك فلقد أُتهم أبو عمار دوما من قبل معارضيه بأنه ديكتاتور يتحكم بالقرار الوطني الفلسطيني ولقد أٌتهم ياسر عرفات دوما ومن قبل معارضيه (وكذلك من بعض مؤيديه) بأنه يعطل العملية الديمقراطية في منظمة التحرير الفلسطينية أو في أطر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وكل متابع للشأن الفلسطيني وكل من عاش تلك الفترات يعلم بأن ما تعرض له أبو عمار من هجوم واتهام وتشويه يفوق قدرة التحمل الإنساني ولكن مع كل ذلك لم يثنيه هذا التهجم عن منح المعارضة لحقهم في التعبير عن معارضتهم وكل ذلك لم يجعله يحاول إقصاء أي فصيل وكل ذلك لم يجعله يحاول ولو للحظة أن يكون في موقعه بالتعيين فلقد سعى لأن يكون في كل مناصبه منتخبا ديمقراطيا .
وقد تميز أبو عمار القائد العام في الإيمان المطلق بالقضاء والقدر حيث لم يعرف معنى الخوف في كل الحروب والمعارك والمواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي ، لذلك كافة القيادات والكوادر العسكرية في صفوف الصورة الفلسطينية لكل واحد منهم تجد له قصة مع أبو عمار في الميدان وفي اللحظات العصبية وأبرز سمات ابو عمار لم يكن يفكر في عقلية الحزب الواحد بل كان مؤمن بتعدد في سبيل تحرير فلسطين وفي غابة البنادق وقد عمل على أن تكون فلسطين هي البوصلة لكل إنسان فلسطيني وجعل من فلسطين قضية مركزية لكل حركات التحرر في العالم وقد حمل قضية الشعب الفلسطيني العدالة، إلى كل المؤتمرات والمنابر العربية والإقليمية والدولية، فإن الجماهير العربية والإسلامية كانت تجد في وجود الثورة الفلسطينية حافزا وعنوان لتحرر ، نستطيع أن تختصر المشاهد الفلسطيني أن أبو عمار أشعل ثورة لكل الأحرار في العالم ومن المهم أن رفاقه في حركة فتح والحركة الوطنية الفلسطينية لكل واحد منهم له قصة مع أبو عمار في التوافق أو الاختلاف .
ما أجمل الحنين إلى زمن ياسر عرفات زمن الثورة والثوار و البندقية وغصن الزيتون، هذا الزمن الذي نال احترام جميع أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، ونال أيضاً الرضا العربي والدولي وكل أحرار العالم، وأوصل عرفات الرسالة التي عجز الكثيرين عن إيصالها إلى العالم بأن فلسطين أرض محتلة وأنه من حق الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال بالبندقية وفى المقابل حمل غصن الزيتون باليد الأخرى، وأن شعب فلسطين عاشق للحرية والعودة إلى وطنه المحتل، فكان ياسر عرفات ايقونة الثورة الفلسطينية وشعله انطلاقتها بعد أن أرادوا للفلسطيني أن يبقى لاجئا في المنفى حتى الممات، فجاء ياسر عرفات يحمل هموم كل فلسطيني حاملا البندقية الثائرة في يده وزملائه الثوار من أجل طرد الاحتلال، حالما بالعودة الى الوطن ونيل الحرية والاستقلال، واحتضن كل الشباب الثائر في الشتات وخلق منهم جيشا وطنيا فدائيا من الطراز الأول في المقاومة والجهاد، وخاض المعارك تلو الأخرى مع الاحتلال في كافة المواقع وعلى كل الجبهات من خلال تبني استراتيجيات المواجهة مع الاحتلال التي لم تشهدها المنطقة من قبل، واستطاع في فترة زمنية قياسية أن يقلب الطاولة على كل المتآمرين على القضية الفلسطينية ويفرض واقعا جديداً بمعادلة جديدة بأن فلسطين لن يحررها سوى أبناء فلسطين أنفسهم .
ما أجمل الحنين إلى زمن ياسر عرفات زمن الكوفية والبدلة العسكرية التي لم تفارق جسد ياسر عرفات حتى مماته، في العالم عرف القضية الفلسطينية من كوفية أبو عمار التي كانت عنوان كل فلسطيني أينما وجد، فكان الزعيم أبو عمار دون منازع أو منافس الاختصار الرمزي للقضية الفلسطينية، فلم يكن عرفات اسما عاديا في تاريخ النضال الفلسطيني، فهو زعيم الشعب الفلسطيني ورمزاً من رموز الشعب العربي والعالم أجمع، بل ثائراً عربياً ودولياً، ارتبط اسمه بكل ثوار العالم الذين وقفوا ثائرين في وجه المحتل لأوطانهم، فكان ابو عمار الأيقونة النضالية العالمية للأحرار في كل بقاع الأرض الذي استطاع بسياسته وحنكته وحكمته وصبره أن يوصل الرسالة الوطنية الفلسطينية للعالم بأسره، وأنه رجل السلام والحرب، باختصار كان أبو عمار الرقم الصعب عالمياً وإقليمياً ومحلياً في كل المعادلات الوطنية والنضالية والإنسانية التي لا يمكن تجاوزها ولا تقبل المساومة أو القسمة.
ما أجمل الحنين إلى زمن ياسر عرفات زمن الوحدة الوطنية والقرار المستقل، حيث استطاع ابو عمار بعقلية قائد حكيم ذو كاريزما قيادية أن يجمع الكل الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية القاسم المشترك لكل القوى والحركات التحررية الفلسطينية، ووحدتها تحت علم فلسطين بألوانه الأربعة، مؤمنا بأهمية الحفاظ على القرار الوطني المستقل، رافضا الخضوع للاشتراطات العربية من أجل الاحتواء أو التدخل في الشئون العربية أو الوقوف إلى جانب دولة على حساب دولة أخرى، فكانت علاقاته مع جميع الدول العربية على مسافة واحدة، في المقابل رافضا التدخل العربي في الشئون الفلسطينية أو التأثير على القرار الوطني الفلسطيني، وكان أبو عمار عنوان الشعب الفلسطيني لدي كل العرب لا يمكن تجاوزه بل كان حاضرا في جميع القمم العربية ومشاورات العرب في القضايا العربية ما أجمل الحنين إلى زمن الخطابات الثورية لياسر عرفات التي طالما تجييش الشعب الفلسطيني وترفع معنوياته، وكانت تحمل كل المعاني الوطنية بامتياز، وتحاكي الناس بأسلوب شعبي وطني وبلغتهم، تلك الخطابات الوطنية التي لم تخلو من التأكيد على تحرير فلسطين والقدس ورفع العلم الفلسطيني على أسوارها، ونيل الشهادة من أجلها، وأن النصر حليف الفلسطينيين والاحتلال الى زوال.
فلم يترك أبو عمار منبرا دولياً أو عربياً إلا وفرض شخصيته المعهودة وحضوره على الجميع بخطاباته السياسية التي لم تفارقها بلاغة الحرية في زمن الثورة وحتى السلام، وحتى خطاباته المحلية للشعب في المناسبات الوطنية كانت بلغة وطنية تستقطب وتستعطف القلوب ويرددها الناس باستمرار حتى يومنا هذا ما أجمل ماضي ياسر عرفات وفتح دفاتره القديمة ومراجعتها لما تحمله من ذكريات جميلة لـ وطن مسلوب بما يمثل أصل الحكاية الوطنية الفلسطينية التي لن ينساها الشعب، ويبقى الشعور بالحنين لذلك الزمن هو سيد الموقف في ظل سوء الواقع الحالي للشعب الفلسطيني وما وصلنا إليه من فرقة وانقسام وضياع للوطن وضعف لمنظمة التحرير، فحالنا من بعد رحيلك يا أبو عمار يصعب على الكافر قبل المسلم وأصبحنا لعبه في يد العرب تحرك متى تشاء، فقد اشتقنا وحنينا إلى زمنك يا الختيار، فهل من عودة الى زمن الياسر أبو عمار يصلح حالنا إلى الأفضل، وستبقى ذكرى استشهادك فينا ما حيينا وعلى دربك سائرون حتى الحرية والاستقلال.
لنحفظ الهوية وصانعها ولنحافظ فلسطين ورمز هـــا في قلوبنا أولا" ومن ثم في عقولنا فالكثير من العقلاء أختلفوا مع ياسر ولكن الجميع لم يختلف على ياسر فهو الفلسطيني الوحيد الذي ينطبق عليه (نختلف معه ولا نختلف عليه) أحببناه بقلوبنا وعقولنا وسنبقى ونفتقده كل يوم فلقد شغلنا وشغل الدنيا بفلسطين ياسر عرفات يجب علينا أن نتحدث عنه للأبناء والأحفاد وعلينا أن نحكيه بلهجتنا الفلسطينية وعلينا أن نتناول سيرته كما نريد وليس بالضرورة أن يكون ما نقول عنه صحيحا، وليس بالضرورة أن نقول عن أبو عمار ما يجب أن نقول، وعندما نحكيه ونحكي معه الثورة والدولة يمكن لنا أن نختلف معه كما نريد ويمكن لنا أن نتفق معه ونؤيده وكما نريد كذلك والأهم يجب أن نحكي أبو عمار فعندما نحكيه نحكي عن وطن وثورة وحرية قادمة لا محالة.
رحمك الله سيدي .
رحمك الله قائدي .
رحمك الله يا أخ أبو عمار.



















