ما بعد حرب غزة

د. فلاح سمّور الجبور
لم تكن مسألة استق ارر المنطقة العربية تثير قلقًا كما هي فاعلة الآن، فالعلاقات العربية الدولية لم تعد تستقر على حال إلا تلك التي يسعى أط ارف المجتمع الدولي إلى الوصول اليها بصورة تخدم مصالحهم. وعلى المستوى الإقليمي أيضًا بدأت التحالفات تأخذ منحى يسير بالمنطقة نحو إيجاد بؤر تصادم تشارك في صياغتها دول الإقليم خارج الحدود العربية، بما يضمن لهذه الدول السيطرة على مقد ارت الأمة العربية. أما ما يتعلق بالداخل العربي، فإن ما ن اره لا يقل ش ارسة أو اضط اربا عمّا يجري على المستويين العالمي والإقليمي، ومما نلاحظه أن هناك أبعادًا وقيمًا طارئة بدأت تظهر على سطح العلاقات العربية – العالمية، كما أخذت تلك القيم، التي كانت قد ظهرت منذ زمن تترسخ، حتى وأن بعض الأط ارف العربية ارحت تتحالف مع الخارج البعيد ضد الشركاء الجيوسياسيين الذين يعيشون في المنطقة. وهنا نلمس ذلك الابتعاد عن المرتك ازت الثقافية والفكرية والقومية وحتى الدينية الجامعة، إلى حد أن وضعت كل هذه القيم في أسواق النخاسة السياسية. وما ازلت الدول العربية لم تحدد أولوياتها، وكذلك تباينت في تعاطيها مع أمنها القومي وفق مفاهيمها ومصالحها وخريطة الص ارع في المنطقة التي تفرض عليها إعادة النظر في ترتيباتها الأمنية وطبيعة تحالفاتها . في إطار تصور إس ارئيل لدورها الإقليمي واغتنامًا للواقع العربي ال ارهن، شهدت سياستها الخارجية تحركات واسعة عبر إقليم الشرق الأوسط، ووصلت في تحركاتها إلى إقامة علاقات دبلوماسية)تطبيع( مع بعض الدول العربية لتحقيق مصالحها العليا، في محاولة منها لتجاوز نقطة الخلاف الرئيسة مع العرب وهي القضية الفلسطينية. هذا التطبيع ونجاحها المستمر في القفز فوق الاستحقاقات الدولية التي ترتبت عليها وفق القانون الدولي نتيجة احتلال فلسطين، دفع بها إلى تشكيل حكومة متطرفة لم تلفت لأي اتفاقات دولية مع الفلسطينيين أو مع دول الجوار، بل مارست أفعال استف اززية ضد المقدسات والمجتمع الفلسطيني مما دفع بالنهاية إلى تفجر الوضع وقيام حرب مع حركة حماس في غزة، تميزت ببطولة فلسطينية ووحشية إس ارئيلية ودعم أمريكي وأوروبي غير محدود ولا مشروط لإس ارئيل. في وقت يشهد العالم محاولات لبناء نظام دولي جديد ومن المعلوم بالضرورة أن التغ يّ ارت الكبرى لا تحدث إلا بعد أحداث كبرى، فحتما ما قبل "طوفان الأقصى" وما تعرض له الكيان من ضربات موجعة وباتفاق الجميع لن يكون كما بعده، وسيكون هناك عدة سيناريوهات يتم وفقها إعادة ترتيب العلاقة بين دول المنطقة، وبما أن الثوابت الأردنية تجاه القضية الفلسطينية قد استقرت منذ أن بدأ الاحتلال وهي ثابتة لا تتغير ولا تتبدل وقد كان آخرها ما أكده جلالة الملك في خطابه الأخير في افتتاح الدورة العادية الأخيرة لمجلس الأمة التاسع عشر بتاريخ الحادي عشر من تشرين الأول 2023، بناء عليه فلعل إعادة تعريف العلاقة مع إس ارئيل أصبح ضرورة وطنية، لذا فان اغتنام الفرصة التي أثبتت الأزمة في فلسطين أن الأردن هو حجر ال ازوية في معالجة القضية الفلسطينية من خلال توجه الدبلوماسية الغربية كافة نحو الأردن مع بدء الأزمة ،وهو كذلك ركيزة من ركائز الاستق ارر في الشرق الأوسط، فالأزمة تمثل فرصة لوقف التهديد الحقيقي الذي تمثله مغام ارت القادة الإس ارئيليين لاستق ارر المنطقة وتعطيل جهود التنمية في الإقليم عمومًا وفي الأردن على وجه الخصوص، ولعل بناء تحالفات جديدة وفق أسس جديدة أصبح ضرورة ومصلحة وطنية عليا استنادًا لهذا الانحياز الغربي الأعمى لإس ارئيل.



















