بشار جرار : على مرمى حجر

حتى يحقق المثل العربي معناه ينبغي التفكير مليا بالحجر. الحجارة الكبيرة أكثر ما تحبط راميها، فيما الصغيرة -على قلة عددها- تطيح بالعدوّ وتصرعه وإن كان جبّارا عملاقا. كما علمنا كبارنا، الحكيم يحسن اختيار حصاته وحجارته، صوّانية صغيرة، «ملاة» يد الرامي، حتى يصيب الهدف. ليست وحدها المسافة المقطوعة للحجر هي المهمة، بل إصابة الهدف أيضا، والصحيح أن إصابة الهدف في الصميم، هي الأهم، بعد الإصابات تعدل خسارة إن لم تحقق النصر الناجز المؤزّر.رمزية الصراع وأدواته تكاد لا تختلف منذ أيام داود وجالوت، وما قبلها وما وراء هذه المنطقة المباركة بالأديان السماوية والحضارات العريقة. لهذا تأثر العالم كله بمن فيه إسرائيل واليهود في سائر أرجاء المعمورة بالانتفاضة الأولى. صارت الكلمة التي بدأت في الصحافة العالمية بمصطلح «أبرايزينغ» بمعاني الهبات الشعبية ضد حكومة أو نظام، صارت معنى دوليا بعلامة تجارية فلسطينية دخلت القواميس بما فيها الإنجليزية والعبرية. الانتفاضة صارت اسما وفعلا وظاهرة، لا حاجة لترجمتها، ولا يصححها تطبيق التصحيح الإملائي «أوتو كوريكت»!.وبحسب كتاب لأحد أساتذتي، البروفيسور البريطاني آندرو ريغبي «عشت الانتفاضة» (ليفينغ ذيانتفاضة)، حذّر ريغبي من إسقاط رمزية الحجر الذي رأى فيه العالم -واليهود خصوصا- صورة النبي-الملك داود، متمثلة بمن سماهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، «أطفال الحجارة». «عسكرة الانتفاضة» وفقا لريغبي وكثيرين -وأنا منهم- جلبت نتائج كارثية على الأطراف كافة، أعني بذلك ليس فقط الفلسطينيين والإسرائيليين، وإنما الدوائر الثلاثة المتفاعلة والمتقاطعة مع هذا الصراع المعقّد والمزمن، وهي العربية والدينية والعالمية.قبلها بسنوات أشاد عرفات بالصواريخ العراقية عندما قال للرئيس العراقي الراحل صدام حسين بأن «الحجر الفلسطيني تعملق تعملق تعملق وصار صاروخا». وقد صارت تلك المقولة، تعليقا مكتوبا على صور كان لها انعكاسات إعلامية كارثية إبان حرب الخليج الثانية بعد كارثة احتلال دولة الكويت وضمها مطلع العقد الأخير من القرن الماضي.نسأل الله أن تنتهي هذه المحنة على خير. الجرح النازف غربا لا بد من الإسراع في تضميده بشتى الوسائل، قطعا ليس بالوسائل النارية لا سلاحا ولا تصريحات. هذه النيران المستعرة لا بد من تطويقها وإطفائها قبل أن تطال الضفة الغربية وهي الأخطر مما يظنه الناس فتح الجبهة الشمالية، لبنانية كانت أم سورية.اكتمل تسليح المستوطنين في الضفة الغربية التي لا ينقصها السلاح، لا تنظيميا ولا عشائريا ولا -للأسف- عصابيا، جماعات أشرار عابرة للأديان والجنسيات، تروج للمخدرات ولا تبالي حتى باستغلال مآسي الصراعات الكبرى. تلك العصابات كما بعض التنظيمات، تحيط بعدد من الدول العربية بما فيها دول الطوق.بفارق بضع أيام، مسيرة مخدرات كانت تحاول إيصال السموم من الجبهة الشمالية الشرقية للأردن، فيما فصائل «ولائية» موالية لنظام الملالي أيضا، تريد عبر حدودنا مع العراق الذي كان يوما بوابة الأمة العربية الشرقية، تريد «نصرة» غزة و»الجهاد» في فلسطين و»تحرير» القدس. أتراهم تأثروا بطلب إسرائيل من «غوغل مابس» و «ويز» تعليق خدماتها لإسرائيل وغزة؟!كم أضاعوا البوصلة وهم يزعمون أن قضيتهم ووجهتهم «على مرمى حجر»؟! لن يجد طلاب الحق والعدل والسلام ضالتهم ما لم يكن الحجر صغيرا، بيد نظيفة، يرميه الحق على الباطل، فيخر صريعا تحت قدمه.. ــ الدستور



















