بشار جرار : الحرب ليست مزادًا

نعم الحرب، وخاصة هذه الحرب الدائرة في غزة، وربما عليها وعلى الإقليم برمته، ليست هذه الحرب بمزاد ولا هو بعلني.ليست دائما المزاودة مضاربة بل قد تكون مناقصة، يدخل فيها المغامر الحرب ظانا أن المزاد سيعلي من ثمن بضاعته، حتى تأتي الرياح بما لا تشتهيه سفن بلا ربان، أو سفن لم تعرف بعد قبطانا يحسن إدارة دفتها، وإلقاء مرساتها.حرب السابع من أكتوبر تتغير فيها بعض السرديات إثر كل عملية على جانب حدود القطاع مع إسرائيل، أو حدودها الشمالية صوب لبنان أو سورية، أو من بعيد من حدود العراق أو اليمن.تغيير تلك السرديات ليس دائما بأيدي المعنيين المباشرين أو الحقيقيين، ولا هو دائما بأيدي المهتمين الصادقين الذين كانوا دائما في طليعة من لبى النداء وأغاث المستجير.حتى الجانب الإعلامي وللأسف معظمه دعائي، كل فيه يغني على ليلاه، والمجتمعي (كما في بعض الهتافات والممارسات اللا مسؤولة) في التعبير عن الموقف من هذه الحرب، من جرحنا النازف غربا، يخضع هذا كله إلى حرب شعواء وبعضها ممنهج ومزمن، حتى من أعرق الديموقراطيات.لم يعد الخلط الجائر المسيء بين عناصر الصراع -جوهره أو مظاهره- فقط بين القومي والديني أو الإنساني والسياسي، بل صار المزاد المفتوح مضاربة ومناقصة في آن واحد، بعضه علني، والكثير منه خفيّ، يضرب وينسلّ، يتركه للطابور الخامس ولذوي الأجندات السوداء والرمادية والملونة -ما غيرها! لا تخلو بعض الوقفات والمسيرات من أعمال التخريب المشين والمدان إلى حد الاشمئزاز من بعض العقول المغيّبة والضمائر المضللة. أي مس بالأمن والأمان، أي تبديد لأي جهد اقتصادي ونحن والأشقاء في مصر ندرك جيدا كلف الفوضى على قطاعات عدة في مقدمتها النقل بمعنى الطاقة، والسياحة.انظر كيف تفاعل الجمهور الشرق أوسطي والعالمي بكل انتماءاته الدينية والسياسية مع من كان خطابه فوق كل هذه التقسيمات الخدّاعة. خطابات الأردن ومقابلات مع يأتمرون بقيادته ويهتدون بهديه، كلها كانت إنسانية لا تفرق بين مدني وآخر ولا تتردد في إدانة الإرهاب والعنف والكراهية أيا كانت أدواتها أو مسوغاتها. هذا الخطاب أثمر نجاحا غير مسبوق في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الجمعة فيما كانت غزة هاشم في ظلام دامس مقطوعة عن العالم الخارجي في كل شيء بما فيه التواصل مع وسائل الإعلام العالمية عبر خدمات الإنترنت. ليس الكل لديه خدمة «ثريا» وهواتف الأقمار الاصطناعية!لكن بعض المتصيدين يسارعون إلى دخول المعركة الإعلامية دون وعي فيصعّدون في جبهات الاشتباك الحساسة، ويصمتون صمت القبور عن الوقوف وقفة عز عندما يتطلب الأمر تدخلا لا بل وتصعيدا.هذه المعركة سيتحدد على نتائجها الكثير، حتى ما هو أكبر من الإقليم برمته. الكل منخرط الآن بالحرب. لا مكان فيها لمن يزاود – لا من الداخل ولا عن قرب، فكيف الحال بمن يزاود عن بعد، أو يدق على صدر غيره في عنتريات عدمية خبرناها عن قرب في جميع الكوارث التي مرت بها منطقتنا وعالمنا خلال الحرب الباردة، وبعد سواد نظام القطب الأوحد.بعض الهتافات وحملات التضليل الإلكتروني لا يراد بها إلا النيل من نصاعة مواقفنا إنسانيا ووطنيا. نذكر جيدا كيف أساء البعض عامدين إلى مواقف الأردن خلال حروب الخليج الثلاثة: حرب البوابة الشرقية ضد نظام الملالي، وحرب تحرير الكويت وحرب إسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين التي عرفت بحرب تحرير العراق على الأقل وفقا للمنخرطين بها من الناتو وخارجه.في العواصف من الحكمة -ليس فقط تفادي الوجوه في وجه العاصفة أو عين الإعصار- وإنما إعطاؤها ظهرك القويّ فتصير الريح قوة دافعة بنّاءة كتلك التي يستخدمها الربان الماهر في رفع الشراع وشدّ الصارية-السارية، وإعادة توجيه الدفة بما يخدم وصول السفينة إلى بر الأمان.. ــ الدستور



















