العمرو يكتب: قراءة في المشهد الانتخابي لمحافظة الكرك

بقلم الدكتور قاسم جميل العمرو
تُشكل محافظة الكرك رقما مهما في معادلة الانتخابات البرلمانية، فعلى مر السنين كان هناك شخصيات مؤثرة وفاعلة افرزتها الانتخابات النيابية مثلت خبرات مرموقة من القوى الوطنية والسياسية والعشائرية وذات خبرة ودراية في الشأن السياسي والعمل الوطني، والمراقب للاوضاع الانتخابية يستطيع رصد مؤشر انحدار في مخرجات الانتخابات منذ عودة الحياة البرلمانية عام 1989 بعد هبة نيسان التي انطلقت من محافظات الجنوب واطاحت بحكومة زيد الرفاعي، حين كلف الراحل الحسين بن طلال حكومة جديدة برئاسة الشريف زيد بن شاكر لاجراء انتخابات على اساس القوائم المفتوحة، وقد انتخب الناس من يمثلهم حقيقة تحت قبة البرلمان وكان مجلس النواب الحادي عشر صورة زاهية للحياة السياسية والبرلمانية في الاردن، من حيث الاداء والحرص على المصلحة الوطنية العليا للوطن فتمت في عهده انجازات كبيرة يعرفها القاصي والداني. ومن المؤسف ان ثمة تراجع حصلت على المسار الديمقراطي بعد سن قانون الصوت الواحد، المرفوض من كل القوى الوطنية، الذي تم وضعه ليحد من نفوذ الاخوان المسلمين، وللاسف كان ضربة حقيقية للمسار الديموقراطي، إذ لم نشعر منذ ذلك التاريخ بوجود برلمان يعبر حقيقة عن تطلعات الاردنيين ورغباتهم ويمارس دوره التشريعي والرقابي بشكل جيد، فتحول الى قاعدة حقيقية لانتشار الواسطة والمحسوبية والتنفع على حساب الوطن وكله بسبب قانون الصوت الواحد الذي حرم الكفاءات الوطنية من منافسة اصحاب النفوذ المالي. الواقع الانتخابي في الكرك مؤسف وحزين ولن يساهم باختيار شخصيات لها باع في العمل السياسي العام وسيكون المشهد تقليدي يتناحر فيه اصحاب المال على تفتيت العشائر وتقسيمها حتى لا تكون قادرة على الفرز الصحيح، وعلى مدى دورات عديدة افرزت الكرك نواب نحترمهم ولكنهم نواب خدمات لم يكن لهم دور مهم في العمل السياسي الا من رحم ربي. اليوم تتنازع قوى المال والمناطقية المشهد الانتخابي في الكرك اذا ما علمنا ان المحافظة مقسمة الى خمسة الوية واللواء السادس ضمن دائرة بدو الجنوب، ويعد لواء الاغوار اكثرها كثافة وقد اعد ثلاثقوائم لخوض الانتخابات برصيد 29 الف صوت اذا ما علمنا ان نسبة التصويت في الاغوار تتعدى 85% فهذا يعني ان قوائم الغور ستحصد ثلاثة نواب ونائب كوتا ونائب مسيحي في حال تم التنسيق جيدا، يبقى 7-6 مقاعد يتنافس عليها بقية عشائر الكرك في شمالها ووسطها وجنوبها، المشكلة التي تواجهها العملية الانتخابية هو البعد السياسي الكامل عن برامج المرشحين اضافة الى تحكم اصحاب النفوذ المالي بتفتيت العشائر ودعمهم لاكثر من شخص لخوض الانتخابات من العشيرة الواحدة وهذا يعني قتل قدرة العشيرة في الاجماع على مرشح وتلاشي فرصته، وبطبيعة الحال يواجه اصحاب النفوذ المالي صعوبة في تشكيل قوائم لانهم يريدون تشكيلها دون منافس بداخلها فيتم شراء ما يطلق عليهم "الحشوات" لاكمال العدد صوريا والاعتماد على شراء الذمم والاصوات ويتصدى لهذه المهمة ما يطلق عليهم عرابي الانتخابات، اضافة الى حرق قواعد المرشحين الاقل قدرة مالية بحجز الهويات وحرقها مقابل مبلغ من المال يشمل رسوم التجديد وثمن الصوت. هذه الصورة المؤسفة لواقع الانتخابات وما ننتظره ليطبق على الواقع وقد بدأت ارهاصاته يشكل ضربة قوية لثقة الناس بالبرلمان وبإجراءات الانتخابات من أساسها مما يعزز فكرة مقاطعة الانتخابات وهذا بحد ذاته يعزز من حضور الفاسدين أو الجهلاء في المجلس النيابي الجديد وتصبح عملية تدوير لنفس الوجوه لا أكثر...وهنا نتساءل هل تستطيع الهيئة المستقلة للانتخابات انقاذ ما يمكن انقاذه للحفاظ على صورة الوطن نقية لا التباهي بانتخابات شكلية يصادر فيها المتنفذون ارادة الناخبين.
*استاذ العلوم السياسية جامعة البترا * ناشر موقع وطنا اليوم الاخباري



















