م. سعيد المصري : اقتصادات أوروبية تتداعى امام اقتصادات صاعدة هل يتعظ الأردن ؟

يخطر بالبال مثل هذا التساؤل عندما تبدأ المعلومات تتدفق حول اداء اقتصادات عملاقة كالاقتصاد الألماني مثلا ، حيث يواجه الاقتصاد هناك مصاعب هيكلية تجاوزت إلى حد بعيد دورات الهبوط والصعود الطبيعية في الازمنة السابقة ، فالأزمات الهيكلية التي تضرب الاقتصاد الصناعي تعني خروج القطاعات الصناعية بشكل متتالي من السوق العالمي لوجود خلل هيكلي له علاقة بقدرات المنتج التنافسية، خاصة وان عناصر كلف الانتاج لا تستطيع ان تمكن المنتج من تحقيق عائد على الاستثمار نفسه!
فما يحصل الان نتيجة عدم قدرة المنتجات الصناعية الالمانية منافسة ما تنتجه الصين يعني خروج تلك الصناعات من الأسواق العالمية وتبدأ مظاهر هذا الانهيار في تقليص الشركات الالمانية لعدد من مصانعها العاملة وتسريح عمالتها ، ويتضح ذلك جليا في سوق السيارات العالمي حيث بلغت المنافسة اشدها ، وانتقلت عدوى ضعف القدرة على المنافسة لشركة ألمانية عملاقة ( BASF) وهي تتخصص بمنتجاتها الكيماوية والحلول الصناعية والزراعية وغيرها والتي بدأت هي الأخرى تعاني من تنافسية المنتجات في الأسواق والذي يعزى إلى ارتفاع تكاليف الطاقة وكلف الانتاج الأخرى مقارنة بمثيلاتها في الصين وهذا ما حذى بهذه الشركة إلى البدء باعادة تقييم خطط انتاجها والاستغناء عن خدمات العمالة في كافة مصانعها المنتشرة في القارة الاوروبية .
للأسف فإن التقارير التي تصدر عن جهات متخصصة في اقتصاد الأسواق العالمية تشي بخروج كثير من الشركات الصناعية الأوروبية من اسواقها بسبب ارتفاع كلف الانتاج مقارنة بالسلع الصينية المشابهة.
ويجدر الإشارة إلى ان اكبر اقتصادات أوروبا وهو الاقتصاد الألماني من المرجح ان ينكمش فيه الناتج المحلي الاجمالي في الأشهر القادمة ليسجل هبوطا من ١،١٪ إلى نصف بالمائة فقط !
وبالعودة للأردن ورحلته الاقتصادية المحوكمة بما عرف برؤية التحديث الاقتصادي وخطتها التنفيذية، فمن الواضح ان توجهات الحكومة الجديدة اعتمدت أسلوب ادارة المتابعة الحثيثة لمؤشرات أداء التنفيذ وهذا يعتبر جيدا في حالة تطبيقة على الارض ، فإذا ما اعتبرنا ان إقتصادنا سيصنّف لاحقا اقتصادا صاعدا، فسيكون التحدي الاول امام هذه الحكومة لتحقيق هذا التصنيف هو كيفية تمكين المنتجات الأردنية من سلع وخدمات من المنافسة العالمية ، ولطالما طرح على طاولة البحث اهمية تنافسية المنتجات الأردنية سواء سلعا صناعية او خدمات ، ولم أشعر أبدا ان الحكومات اخذت هذا الأمر بالجدية التي يستحقها ، فاذا ما علمنا ان الشركات الأوروبية والعالمية تعاني نفسها من عدم قدرة على المنافسة بالرغم من تمتعها بالقدرة على تحقيق اقتصاديات الحجم في انتاجها، فإن ذلك يضع علامة استفهام كبيرة عن مسار محركات النمو الاقتصادي الأردني وعلى رأسها الصناعات التي تشمل الانتاج الزراعي والصناعات الغذائية ايضا والتي ستواجه جميعها حتما نفس التحديات التي تواجهها الصناعات العالمية رغم اختلاف حجوم اقتصاداتها ، وهذا يعني ان الخلل في الانتاج الصناعي هيكلي ويحتاج لاعادة بناء على اسس تنافسية بحتة ودون تدخل من الدولة في حماية جمركية او اغلاقية !!
ان التفسير العلمي والمنطقي لمتطلبات المرحلة القادمة يقتضي آذانا وعقول منفتحة على واقع اقتصادي عالمي في طور التشكل نتيجة لظهور اقتصادات اسيا وبعض الدول الصاعدة الاخرى ، وعليه ، سيكون الهدف الاول كما ذكرت في مقالات سابقة اخضاع عناصر الكلف لكافة المنتجات الصناعية ( بما فيها الانتاج الزراعي والصناعات الغذائية) لاعادة تشكيل وهيكلة لاستعادة تنافسية تلك المنتجات ، وكما اعلن دولة الرئيس جعفر حسان ان هذا العمل لا يقتصر على السلطتين التنفيذية والتشريعية بل يتوجب دعوة ممثلي القطاعات الصناعية كافة للمشاركة في اعادة رسم خطة الانتاج الصناعي الأردني من وجهة اقتصادية بحتة ، وتكمن اهمية هذه الخطوة انها تتعلق بشكل مباشر بهدف جذب الاستثمارات المختلفة والتي لن تتحقق بدون قدرة المنتج الوطني على المنافسة العالمية ، ويقيني ان هذا المنحى سيقودنا إلى ضرورة تنفيذ تدخلين حكوميين في قادم الايام وبعد تمكن فرق التقييم الاقتصادي المذكورة من تحديد الية لاستعادة تنافسية منتجاتنا الوطنية: اولهما تمكين القطاعات الصناعية ( والاستثمارات بشكل عام قديمها وجديدها ) من الوصول للتمويل اللازم لتنفيذ التحديث اللازم للصناعات الوطنية كافة القطاعات الصناعية، وثانيها قدرة الحكومة على تغطية فجوات الموازنة العامة المترتبة على تنازلات في ايرادات ضريبية ورسوم اخرى لتمكين القطاع العام من تحقيق تنافسية منتجاته ، ان تلك الخطوتين ستشكل التحدي الأكبر الذي سيواجه الحكومة الحالية سيما وانه سيرتب توسعا حتميا في الاقتراض آملا ان يكون هذه المرة اقتراضا خارجيا وليس محليا حتى لا تزاحم الدولة القطاع الخاص في الاقتراض المحلي ، واثق ان الادارة المالية والنقدية للدولة ممثلة بالحكومة والبنك المركزي تعي تماما انه لاحداث نقلة في نسب النمو الاقتصادي الحالي سيعني بالضرورة توسعا في الاقتراض لمتطلبات اعادة ترتيب مخصصات الموازنة العامة . ومن المهم التوافق على اهمية وجود جسم البحث والتطوير ليرافق رحلة الحكومة والدولة الاقتصادية لينمو الاقتصاد تصاعديا .
ما ذكرته أعلاه قد يكون مكررا من قبلي او من قبل من هم اخبر مني في شجون الاقتصاد والمال والأعمال ، ولكن ما دعاني للكتابة هو بايحاء من الخلوة التي عقدتها الحكومة ومؤسسات القطاع العام والذي تعهدت بموجبه وضع اطار تنفيذي لخطة التحديث الاقتصادي وعمادها نموا من خلال جذب الاستثمارات الجديدة وتفعيل القائم منها واعادة الحيوية لاداء القطاع العام ليستجيب لمتطلبات التنمية المطروحة على بساط البحث، والأصل ان لا تلين لنا قناة او فقدا لحماسة كون الواقع المصيري والمعيشي للاقتصاد الوطني بحاجة لتدخلات جراحية فورية ودون تأخير.
نسأل الله التوفيق بما يحدونا من امل وتفاؤل.
المهني سعيد بهاء المصري


















