+
أأ
-

نجاحٌ يتحدى الإعاقة: دليل سياحي يُحدث الفرق بلغة الإشارة

{title}
بلكي الإخباري

 لم يكن الاختلاف يوما عائقا أمام الطموح، بل شكل دافعا لصناعة النجاح كما أثبته الشاب يوسف أبو ملحم، أول دليل سياحي أصم مرخص في الأردن ليغدو جسرا يربط الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية بتاريخ المملكة وتراثها العريق بلغة الإشارة في خطوة تسهم في تعزيز مفهوم السياحة الدامجة.

هذا ينسجم مع تأكيد جلالة الملك عبدالله الثاني بأن الشمولية لا تقتصر على ضمان إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة لمختلف المرافق، بل تشمل أيضا الاعتراف بالإمكانات الكامنة في كل إنسان، وتوفير البيئة التي يمكن للجميع المساهمة فيها وقد كان هذا نبراس الشاب ابو ملحم الذي نجح في تجاوز تحديات الإعاقة في مجال يُعتقد أن دخوله كان مستحيلا على من يعاني من إعاقة سمعية فعكس ابو ملحم المعادلة ليصب دليلاً ومرشداً سياحياً رغم إعاقته السمعية.

يقول أبو ملحم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن فكرة عمله كدليل سياحي جاءت أثناء عمله في محل يمتلكه شقيقه بالسوق الحرفي في مدينة جرش الأثرية، حيث لاحظ التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة السمعية خلال الجولات السياحية نتيجة غياب مرشدين يتقنون لغة الإشارة، موضحا أنه كان يساعدهم بجهد شخصي، نظرا لإتقانه لغة الإشارة ومعرفته بتاريخ مدينته، قبل أن يقرر تحويل هذه المساعدة إلى عمل احترافي يمكنه اقتصاديا حيث خضع لدورات تدريبية متخصصة لمدة ستة أشهر بإشراف أكاديميين مختصين ، ليحصل بعدها على رخصة مزاولة المهنة كأول دليل سياحي لفئة الصم.

وبين أبو ملحم أن دعم وزارة السياحة والآثار والمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة كان عاملا مهما في نجاح تجربته، حيث تم التكفل بتغطية نفقات التدريب ومنحه فرصة التأهيل المهني المتخصص، وتوفير مترجم لغة إشارة له طيلة فترة التدريب الأمر الذي مكنه من الانخراط في سوق العمل.

وأشار إلى أنه بدأ العمل ضمن جولات سياحية في محافظة جرش لفئة الصم من الأردنيين والأجانب، ويستعد حاليا لتوسيع نشاطه ليشمل مختلف المواقع السياحية في المملكة، في خطوة تعزز مفهوم السياحة الدامجة وتفتح المجال أمام الجميع للاستمتاع بالهوية التاريخية والثقافية للأردن، موضحا أن أبرز التحديات التي واجهته تمثلت بصعوبة الاندماج ببعض فرق الأدلاء السياحيين بسبب النظرة السلبية تجاه إعاقته السمعية، إلا أن ذلك لم يقف عائقا أمام طموحه.

وحول خططه المستقبلية، عبر أبو ملحم عن رغبته بإنشاء محتوى مرئي على منصات التواصل الاجتماعي، يقدمه بلغة الإشارة بهدف توعية الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية وتحفيزهم على دخول سوق العمل، إضافة إلى الترويج السياحي للأردن بطريقة تسهل وصول المعلومات التاريخية والثقافية لهذه الفئة، داعيا الأشخاص ذوي الإعاقة إلى دخول قطاع السياحة لأنهم يمتلكون قدرات مميزة وأن "لا شيء مستحيلا حين تتوفر العزيمة".

بدورها، قالت رئيسة لجنة الأشخاص ذوي الإعاقة في مجلس الأعيان، العين آسيا ياغي، إن حصول شخص من ذوي الإعاقة السمعية على رخصة مزاولة المهنة كدليل سياحي يعد إنجازا هاما يعكس التزام الأردن بتعزيز مفهوم السياحة الدامجة، ويفتح آفاقا جديدة للأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع السياحة ما يعزز من فرصهم في الحصول على وظائف مناسبة، كما يسهم في رفع الوعي المجتمعي حول السياحة الدامجة، ويجعل القطاع السياحي أكثر شمولا واستجابة لاحتياجات جميع الزوار بما في ذلك ذوو الإعاقة، حيث يسهم هذا في تعزيز قدراتهم ومهاراتهم، ويسهم في تغيير النظرة المجتمعية تجاه إمكاناتهم، فضلا عن الترويج للأردن كوجهة سياحية شاملة توفر تجارب مميزة للزوار من مختلف الفئات.

وبينت ياغي أن دخول الأشخاص ذوي الإعاقة لقطاع السياحة له اثر إيجابي على المستوى الاجتماعي في حياتهم وعلى اسرهم ومجتمعم ويضفي اثرا اقتصاديا يزيد من شعور ذوي الاعاقة بالمساواة والعدالة، مؤكدة أن تعزيز مشاركتهم في القطاع السياحي يتطلب تهيئة المواقع لتكون ميسرة لجميع الإعاقات من حيث المداخل، المرافق، والوسائل التوضيحية، وتوفير كوادر مدربة على التعامل مع مختلف الإعاقات، خصوصا الذهنية منها، وتدريب العاملين في القطاع على لغة الإشارة ومهارات التواصل، وتوفير مترجمي لغة الإشارة في المواقع السياحية، إلى جانب نشر الوعي بأهمية السياحة الدامجة من خلال حملات توعوية، وإتاحة معلومات سياحية ميسرة، والتعاون مع منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة لتبادل الخبرات، بالإضافة إلى التقييم المستمر للخدمات السياحية لضمان تلبيتها لاحتياجات الجميع.

وقالت إن مجلس الأعيان يسير على نهج جلالة الملك عبدالله الثاني وولي عهده سمو الأمير حسين في دعم حقوق ذوي الإعاقة من خلال تبني سياسات وتشريعات واقرار قوانين تضمن دمجهم في المجتمع، مشيرة الى أن المجلس يعمل ليكون نموذجا وطنيا في هذا المجال، حيث استجابت لجنة الأشخاص ذوي الإعاقة لمطالب وطنية بمراجعة قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 بهدف رصد الثغرات وتحسينه بما يحقق العدالة والمساواة، ويضمن التعليم والعمل والحماية لهم، وسنعمل على تنفيذ المقولة "لن نترك احدا خلفنا" .

وأكدت ياغي أن تشجيع الاستثمار يؤدي إلى تشجيع الشركات السياحية وصولا للاستدامة التي تنعكس ايجابا على التوظيف وتحسين البيئة والاستقطاب والمسؤولية المجتمعية، وتدريب الكوادر ومتابعتهم بما يضمن التأكد من تنفيذهم لاستراتيجية السياحة، والترويج للاردن كوجهة سياحية منافسة عالميا، مشددة على أهمية التعاون بين جميع الجهات ومنظمات الاشخاص ذوي الاعاقة في جميع مراحل العملية السياحية الدامجة.

من جهته أعرب الناطق الاعلامي للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رأفت الزيتاوي، عن فخر المجلس بحصول أول شاب أصم على رخصة مزاولة المهنة كدليل سياحي بلغة الإشارة، لأنه يعد نموذجا رائدا في دمج الأشخاص الصم في القطاع السياحي، ويفتح أمامهم فرصا غير مسبوقة، موضحا أن المجلس يعمل بالتعاون مع مختلف المؤسسات المعنية، وعلى رأسها وزارة العمل، لتحقيق نسبة 4 بالمئة لتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص، إضافة إلى التنسيق مع هيئة الخدمة والإدارة العامة لضمان عدالة التوظيف في القطاع العام، مشيرا إلى أن المجلس يساهم في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة مهنيا من خلال توفير التدريب والأجهزة اللازمة لأداء مهامهم بفعالية.

وأشار الزيتاوي إلى أن المجلس يعمل على فتح آفاق جديدة لتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع السياحي من خلال مراجعة تعليمات ترخيص الأدلاء السياحيين، حيث أدرجت لغة الإشارة ضمن اللغات المعتمدة ما يتيح للصم الانخراط في هذا المجال، مبينا أنه تم التعاون مع وزارة السياحة والآثار وكلية عمون لضم الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الدورات التدريبية الخاصة بالأدلاء السياحيين مجانا، بهدف تشجيعهم على دخول سوق العمل السياحي، مؤكدا أن المجلس يوفر مترجمي لغة إشارة خلال الدورات التدريبية لضمان فهم الأشخاص الصم للمحتوى المقدم.

وأشار الى العمل على استراتيجية وطنية للسياحة الدامجة بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار وهيئة تنشيط السياحة، ودائرة الآثار العامة، بهدف تهيئة المواقع والمنشآت السياحية لتكون جاذبة وميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة، مبينا أن السياحة الدامجة لا تقتصر على السياح المحليين من ذوي الإعاقة بل تستهدف أيضا استقطاب هذه الفئة من السياح الدوليين التي تشكل نحو 15 بالمئة من سكان العالم (حوالي 1.3 مليار شخص)، ما يعزز الإيرادات السياحية نظرا لطبيعة سفرهم برفقة عائلاتهم وإقامتهم الطويلة، وهو ما يرفع من حجم الإنفاق السياحي في الأردن.

وأشار الى وجود استراتيجية تمتد لعشر سنوات، إلى جانب خطة عاجلة لمدة ثلاث سنوات، تهدف إلى تهيئة المواقع السياحية لتكون ميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكدا أن هذه الجهود ستنعكس إيجابا على الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، فعلى سبيل المثال، في حال استقبال وفود سياحية من فئة الصم، فإن توفير مترجمين من الصم أنفسهم سيكون أكثر فاعلية كونهم الأقدر على التواصل والتفاعل، كما أن الخطة تتضمن بندا يتعلق بتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في المواقع السياحية بما يساهم في تطبيق نسبة التوظيف المخصصة لهم، والبالغة 4 بالمئة.

من جهته، قال عميد كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية – فرع العقبة، الدكتور إبراهيم الكردي، إن وجود دليل سياحي من فئة الصم، يعد نقلة نوعية في تجربة السياحة، خصوصا للسياح من ذوي الإعاقة السمعية، حيث لا يقتصر دوره على تقديم المعلومات بلغة يفهمونها، مشيرا الى أن ذلك يخلق رابطا إنسانيا يشعرهم بالانتماء والاحترام، ما يعزز من شمولية التجربة السياحية ويجعلها أكثر قربا من الجميع.

وأضاف، إن تمكين الأشخاص الصم من هذا الدور يسهم في كسر الحواجز النفسية والاجتماعية، ويظهر أن التجربة السياحية في الأردن باتت مصممة لتكون شاملة دون استثناء.

وأوضح الكردي أن عدد الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع عالميا يقدر بنحو 466 مليون شخص، وفقا لإحصائيات منظمة السياحة العالمية لعام 2025، وتمثل هذه الفئة شريحة مؤثرة من السياح، خاصة مع تزايد الوعي بالخدمات الميسرة، مشيرا إلى أن السياحة الميسرة تعد من أسرع القطاعات نموا، وتشكل فرصة كبيرة لتوسيع قاعدة السوق السياحي من خلال ابتكار حلول وخدمات جديدة.

وأكد أن دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع السياحة لا يعد فقط حقا إنسانيا، بل يمثل أيضا خطوة استراتيجية لتطوير منتج سياحي شامل وجاذب، إذ يسهم تنوع الكوادر في تصميم برامج وخدمات سياحية متنوعة تثري التجربة وتظهر صورة حضارية وإنسانية عن الأردن، بما يدعم الاستدامة والتنوع الثقافي في القطاع.

وبين أن تدريب الأدلاء السياحيين على لغة الإشارة وتوفير مبادرات شبيهة يسهم في فتح أسواق جديدة وتنويع المنتج السياحي، يعزز النمو الاقتصادي، ويحقق أهداف التنمية المستدامة عبر إشراك جميع الفئات المجتمعية.

وذكر الكردي أن حصول شخص من ذوي الإعاقة السمعية على رخصة مزاولة المهنة بلغة الإشارة يعد خطوة هامة نحو ترسيخ السياحة الدامجة في الأردن، ويقدم نموذجا ملهما في تمكين ذوي الإعاقة السمعية، مشيرا إلى أن مثل هذه المبادرات تروج للأردن كوجهة سياحية شاملة ورائدة، وتلهم المجتمعات والدول الأخرى لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف القطاعات، وتأكيد أن السياحة يمكن أن تكون حقا للجميع دون استثناء.

يشار إلى أن دخول الأشخاص ذوي الإعاقة لقطاع السياحة يعد خطوة مهمة نحو ترسيخ مفاهيم السياحة الشاملة، ويعكس التزام الأردن باحتضان التنوع وتمكين جميع فئاته.

ويجسد نجاح الشاب يوسف أبو ملحم نموذجا ملهما لما يمكن تحقيقه عندما تتوفر الإرادة والبيئة الداعمة، إذ يمتلك الأشخاص ذوو الإعاقة طاقات وقدرات كبيرة تؤهلهم للتميز متى أتيحت لهم الفرصة