+
أأ
-

الدكتور عدلي قندح. يكتب: في عيد الاستقلال: آن للأردن أن يستأنف صعوده

{title}
بلكي الإخباري

 

بقلم: الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور عدلي قندح

في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، نقف أمام محطة وطنية مجيدة نستذكر فيها تاريخاً مشرّفاً، سطّرته قيادتنا الهاشمية الحكيمة وشعبنا العظيم بإصرارهم على بناء دولة حديثة، صلبة، ومؤثرة رغم التحديات. وبهذه المناسبة، نرفع أسمى آيات التهنئة إلى حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، وإلى الشعب الأردني الوفي الذي يزداد إيمانًا بوطنه كلما اشتدت الصعاب.

لقد حقق الأردن، منذ الاستقلال، إنجازات نوعية في مختلف القطاعات: بنى نظامًا تعليميًا يُحتذى، وأنشأ بنية تحتية متينة، ونجح في ترسيخ الأمن والاستقرار وسط إقليم مضطرب، وتبوأ مراكز متقدمة في مؤشرات عديدة مقارنة بإمكاناته المحدودة. لكن بعد هذه القفزات، بدأ الأداء الاقتصادي يتراجع، لا بفعل الأزمات العالمية وحدها، بل بسبب مشكلات داخلية هيكلية طال إغفالها.

الإفراط في البيروقراطية، وضعف الإدارة العامة، عرقل القرارات وأعاق تنفيذ المشاريع. تضخمت الهياكل وتناسلت التعليمات، بينما بقيت الإنجازات على الأرض بطيئة. ترافقت هذه الحالة مع هجرة للكفاءات، نتيجة غياب الحوافز وضبابية المستقبل، في حين استمرت المحسوبية تُبعد أصحاب الكفاءة وتُبقي النفوذ في مراكز القرار.

كما أدى الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية إلى ترسيخ عقلية “الانتظار”، بدل المبادرة، وعطّل الإصلاحات الحقيقية التي كان يفترض أن تُنجز منذ سنوات. وقد ساهم ضعف التنفيذ، لا ضعف التخطيط، في تراكم المشاريع المجمدة، ما بين خطط واستراتيجيات طموحة بقيت على الورق. وتفاقم الوضع بتسييس القرار الاقتصادي وتهميش العقول القادرة، لتُصاب المؤسسات بحالة من فقدان الثقة، ويتسرب الأمل من كثير من المبدعين.

لكن في ظل هذا المشهد، تبقى الحقيقة الأهم: أن الأردن حين يُحسن استثمار موارده البشرية، ويمنح الفرصة لمن يملكون الرؤية والخبرة، يكون قادرًا على إحداث نهضة اقتصادية حقيقية، كما فعل من قبل. فالتحولات الكبرى لا تصنعها المجاملات، بل الإرادة السياسية والجرأة في التغيير، وفك الاحتكار عن القرار الاقتصادي، وتفعيل ما لدى البلاد من طاقات عاطلة ومواهب جاهزة.

إن عيد الاستقلال ليس فقط مناسبة للاحتفاء بالماضي، بل دعوة صريحة لاستئناف الصعود. وهذا الاستئناف لا يحتاج إلا إلى قيادة مخلصة – وهي موجودة – وشعب طموح – وهو موجود – وإرادة فعلية لكسر حلقة التكرار والانطلاق نحو مستقبل اقتصادي أردني جديد. مستقبل يليق بما حققه هذا الوطن من تراكمات، وبما يطمح له أبناؤه في المئوية الثانية من الدولة.

كل عام والأردن بخير، حبًا وولاءً وعهدًا متجددًا بالعمل لا بالشعارات.