الزيارة الملكية للكرك.. تجسيد "للفكرة الهاشمية" في وحدة المصير والتنمية

كتب الناشر - تكتسب زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لمحافظة الكرك، كسائر جولات جلالته التفقدية للمحافظات الأردنية، أبعادا تتجاوز الجانب الإجرائي والتنفيذي، لتلامس العمق الفلسفي للقيادة الهاشمية في الأردن.
فهي ليست مجرد لقاءات روتينية، بل فعل سياسي-اجتماعي يرسّخ مفاهيم وحدة الدولة، وعدالة التوزيع، وفلسفة "الراعي والرعية" بمعناها التنموي الحديث.
الزيارة الملكية إلى الكرك، التي تحمل تاريخًا عريقًا من البطولة والانتماء، هي في جوهرها تجسيد لمفهوم "الحكم المُتجسّد". فالقيادة تخرج من مركز القرار (عمّان) لتقف على الأرض، وتلتقي المواطن في فضائه المحلي.
هذا التوجه الملكي يحقق تفكيكا للمركزية الذهنية والإدارية، إذ يتم نقل هموم الأطراف مباشرة إلى صانع القرار، مما يفرض على الحكومة والمؤسسات العمل الميداني واللامركزية الحقيقية في التنفيذ. كما يصحح هذا النهج الواقعية السياسية فالقرار لا يُبنى فقط على الإحصائيات الباردة والتقارير المكتبية، بل على المشاهدة الحية والاستماع المباشر بهموم الناس ومطالبهم التنموية في الزراعة، والصحة، والسياحة (كمشروع التلفريك الموعود). علاوة على ذلك، يؤكد هذا النهج على مبدأ التلاحم العضوي حيث تعيد الزيارة تأكيد أن العلاقة بين القائد والشعب هي علاقة عضوية لا تنفصل، وتلاشى الحواجز ليصبح المصير التنموي والسياسي واحدًا.
وتأتي المشاريع والتوجهات الملكية في الكرك، كالتركيز على قلعة الكرك وإعادة الحياة للمدينة القديمة، وتطوير الأغوار الجنوبية، ودعم جامعة مؤتة، لتعكس بُعدا فلسفيا ثانياً: العدالة التنموية باعتبارها استدامة تاريخية. فإطلاق مشاريع كبرى وتوجيه الحكومة لاستكمالها هو التزام بمبدأ تكافؤ الفرص التنموية بين الأطراف والمركز، كما أن الاهتمام بالقلعة والمواقع الأثرية ليس مجرد ترميم، بل هو فعل فلسفي يربط الأجيال الحاضرة بإرثها الوطني، ويحول التاريخ إلى رافعة اقتصادية وسياحية، مؤكداً أن المستقبل يُبنى على جذور راسخة. كما يجدد جلالة الملك في كل زيارة العهد التاريخي مع أبناء الجنوب الذين يمثلون أساس الدولة الأردنية، مما يعزز من مفهوم "الهوية الوطنية الأردنية الجامعة" التي لا تفرق بين أبناء الوطن.
فلسفة الزيارة الملكية تتجسد في النهاية في رؤية شاملة للقيادة والتي لا تكتفي بالإشراف على المشاريع الكبرى، بل تمتد إلى أدق التفاصيل الإنسانية. جولات الملك المتكررة والمبادرات التي تطلق بلمسة إنسانية تعكس مبدأ "الدولة الهاشمية كحامٍ اجتماعي". فهي رسالة مفادها أن "كرامة المواطن" هي المحور الذي تدور حوله كل الخطط التنموية، وأن القيادة هي المسؤولة عن ضمان حد أدنى من العيش الكريم، وهو ما يمثل ذروة الفعل الفلسفي في السياسة.
فزيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الكرك هي إثبات عملي لالتزام القيادة بالنموذج الأردني الذي يجمع بين الأصالة والتحديث، ويجعل من "المواطنة المتساوية" القائمة على التنمية العادلة والعمل الميداني، ركيزة لبقاء الدولة وقوتها، تحت ظل الراية الهاشمية.

















