+
أأ
-

انتصار اليسار الراديكالي في نيويورك ودرس التحول في وعي الإمبراطورية كيف نستفيد منه ؟

{title}
بلكي الإخباري

كتب الناشر - السيناريو الافتراضي لفوز شخصية مثل زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك، بتبنيه الصريح للأجندة الاشتراكية اليسارية ومواقفه المناهضة للرأسمالية والمؤيدة للقضية الفلسطينية، يمثل زلزالا  رمزيا  يضرب قلب الإمبراطورية الأمريكية ويدل على تحول عميق في الوعي الجمعي.

ففي عاصمة المال والأعمال  العالمية ومهد وول ستريت، يعكس صعود سياسي بأجندة راديكالية فشل النموذج النيوليبرالي في تلبية احتياجات الأغلبية وتزايد الإحباط من التفاوت الطبقي الصارخ الذي دفع الناخبين للبحث عن حلول جذرية خارج إطار المؤسسة التقليدية، متشبثين بفلسفة اشتراكية تسعى لإعادة توزيع الثروة وإضفاء الطابع الإنساني على الخدمات الأساسية.

هذا التحول في الميول المحلية يتشابك بعمق مع تغير المزاج الأمريكي تجاه القضايا العالمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إذ يشير فوز صوت داعم لفلسطين في نيويورك إلى انكسار الإجماع التاريخي الذي ساد لعقود وتحول التعاطف الأمريكي من الدعم الأعمى إلى النقد الأخلاقي الجذري للسياسات الإسرائيلية، وهو ما يمثل انتصاراً للسرديات المضادة التي تربط قضايا العدالة الاجتماعية المحلية بقضايا التحرر العالمية.

المفارقة المأساوية في هذا  الانتصار تكمن في ردود الفعل الداخلية للجاليات التي تُركز على الانتماءات للهويات  الفرعية بدلاً من الاحتفاء بالإنجاز السياسي الموحد، مما يكشف عن هشاشة الوحدة بين الجاليات المهاجرة، ويؤكد أن صراعات الشرق الأوسط الأيديولوجية تظل حاضرة لتعيق توحيد الجهود السياسية حول القضايا الجامعة هناك .

في سياق الاستفادة الإقليمية، يمكن للدول العربية والإقليمية أن تستغل هذا التغير في المزاج السياسي في المدن الأمريكية الكبرى استراتيجيا ، حيث يفتح هذا الفوز نافذة على مراكز القرار المحلية الحيوية التي تمارس ضغوطا  غير مباشرة على السياسة الفيدرالية، مما يتيح للدول العربية الاستثمار في الدبلوماسية العامة الموجهة للمدن وبناء علاقات قوية مع هذه القيادات لضمان بقاء القضايا العربية حاضرة بقوة. كما يثبت هذا الانتصار القوة التصويتية المتنامية للجاليات المهاجرة والناشطين، مما يحتم على الدول العربية دعم برامج تمكين الجاليات لتعزيز نفوذها السياسي داخل الأحزاب، بدلاً من الاعتماد الكلي على الضغط التقليدي على واشنطن. والأهم، يتيح هذا التحول للدول العربية إعادة صياغة الرواية الإعلامية عبر استبدال خطاب  المظلومية بخطاب الحقوق المدنية والعدالة العالمية الذي يتماشى مع الفلسفة اليسارية الأمريكية، وبالتالي توسيع قاعدة التعاطف لتشمل شرائح أوسع من الناخبين والناشطين، واستخدام هذا الوجود السياسي كـورقة ضغط غير تقليدية في مفاوضاتها مع الإدارة الفيدرالية مما يجعل واشنطن أكثر عرضة للانتقاد الداخلي في حال استمرار دعمها الأعمى للطرف الآخر في الصراع.

فوز ممداني يبعث رسالة واضحة مفادها أن مراكز القوة الأمريكية لم تعد حصناً منيعاً ضد الأصوات المناهضة للاستغلال والقمع، وعلى الدول العربية أن تستغل هذه الفرصة التاريخية لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي عبر المدن والمجتمعات، متجاوزة حدود التعامل الرسمي مع العاصمة الفيدرالية فقط.