الضربة القاضية للسماسرة: الحكومة تجرّم شراء الكروكات وتفرض الحبس والغرامات بالملايين في قانون التأمين الجديد

يُعدّ إقرار الحكومة الأخير لمشروع قانون جديد لتنظيم أعمال التأمين خطوة إصلاحية كبرى وضرورية طال انتظارها ويشكل منعطفًا إيجابيًا نحو تطهير قطاع التأمين من إحدى أخطر الآفات التي استنزفته وهي ظاهرة شراء "الكروكات" المتاجرة بحقوق المتضررين من حوادث السير. هذا التوجه الحكومي الممتاز يعكس إدراكًا لأهمية حماية المواطن والقطاع المالي على حد سواء من الممارسات غير المشروعة التي ألحقت خسائر فادحة بالشركات وشوهت سمعة السوق.
إن ظاهرة شراء "الكروكات" التي تعني قيام سماسرة أو أشخاص غير مرخصين بشراء حقوق التعويض الناتجة عن حوادث السير من المتضررين بأثمان بخسة ثم المبالغة في المطالبة بها من شركات التأمين قد تحولت إلى تجارة غير أخلاقية تستغل ضعف وحاجة المواطنين للإصلاح السريع. هذه الممارسات لم تقتصر أضرارها على إهدار المال العام والخاص بل ساهمت بشكل مباشر في رفع كلفة أقساط التأمين على جميع المواطنين وتسببت في عدم ثقة بسوق التأمين.
يأتي مشروع القانون الجديد ليضع أساسًا قانونيًا متينًا للتصدي لهذه الظاهرة عبر تجريم شراء الحقوق الناتجة عن عقد التأمين بنص صريح. الأهم من التجريم هو وضع عقوبات رادعة ومشددة تتمثل في الحبس لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تزيد على خمسين ألف دينار أو بكلتا العقوبتين معًا. كما تضمن المشروع مضاعفة العقوبة في حال تورط المحامين أو العاملين في شركات التأمين بهذه الجريمة وهو ما يبعث برسالة قوية لا تقبل التأويل حول جدية الدولة في مكافحة الفساد في هذا القطاع.
هذه التشريعات المنتظرة ستوفر مرجعية شاملة تنظم أحكام عقد التأمين وتسد الثغرات القانونية التي كانت تستغلها هذه العصابات المنظمة. هي خطوة تهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح طرفي عقد التأمين وتنظيم حقوقهما وواجباتهما بشكل واضح وعادل. مع تجريم شراء الكروكات والعمل على تنظيم مسألة تقدير نسب العجز ستتمكن شركات التأمين من تحسين ملاءتها المالية وتقليل الخسائر التي كانت تُجنى نتيجة المطالبات المبالغ فيها ما ينعكس إيجابًا على استقرار القطاع وأسعار خدماته.
يبقى على الجهات التشريعية سرعة إقرار القانون بشكل نهائي وعلى الجهات التنفيذية تفعيل آليات الرقابة وضمان التنفيذ الحازم بالإضافة إلى ضرورة تبسيط وتسريع إجراءات التعويض للمواطنين لضمان عدم لجوئهم إلى السماسرة كحل أخير. إنها بداية واعدة لإصلاح هيكلي يعزز النزاهة والشفافية في أحد القطاعات المالية الحيوية.

















