+
أأ
-

وزراء الأردن ووهم التصريح حول فرص العمل في أوروبا والموت البطيء لثقة الجمهور

{title}
بلكي الإخباري

كتب الناشر - لقد أصبحت التصريحات الرسمية حول توفير فرص عمل للشباب في إيطاليا وألمانيا أشبه بحقن مورفين تطلقها الحكومة في جسد الجمهور المثقل بالبطالة هذه الحقن لا تعالج الألم بل تخدر الوعي للحظات عابرة مانعة الجسد من استشعار حقيقة الأزمة الاقتصادية الهيكلية فبينما يروج بعض وزرائنا للجنة الأوروبية كحل سحري لأزمة البطالة يسود الاعتقاد بأن هؤلاء الوزراء لا يزالون يعيشون في عام 1990 حيث كانت المعلومة سلعة نادرة يتم تسليمها من أعلى إلى أسفل وتؤخذ التصريحات الحكومية محمل الجد دون تمحيص

الفلسفة التي تقوم عليها هذه التصريحات هي فلسفة الاستغباء المتعمد أو الجهل المركب فمن ناحية الواقع الملموس يعلم أي باحث أو شاب أن الدول التي يشار إليها مثل إيطاليا وألمانيا تعاني هي ذاتها من تحديات بطالة هيكلية لا سيما بين الشباب غير المؤهل للمهارات المطلوبة أما الطلب الحقيقي في أسواق مثل برلين وروما فينحصر في مهارات شديدة التخصص والدقة مثل الذكاء الاصطناعي الأمن السيبراني أو تخصصات هندسية متقدمة التي نادرا ما تتوفر بكثرة في مخرجات التعليم بدول الشرق الأوسط إن طرح وظائف عامة وغير متخصصة في تلك الأسواق هو وهم محض والوعود هنا هي ريشة في مهب الريح

لكن الكارثة الفلسفية تكمن في فشل الحكومة في استيعاب الثورة الرقمية لقد ولى زمن الجهل المقدس الذي كان يحيط بالسلطة اليوم أصبحت العلاقة بين المواطن في عمان أو بغداد وشاب يعمل في برلين أو روما هي العلاقة التي كانت تربط الإنسان بشقيقه النائم في جانبه الشاب الباحث عن عمل لا يحتاج إلى مؤتمر صحفي ليعرف الحقيقة يكفيه ضغطة زر للتواصل المباشر مع مئات المغتربين الذين يكشفون عن واقع العمل تحديات الإقامة والحاجز اللغوي والتعقيدات البيروقراطية الأوروبية

الفضاء الرقمي حطم حائط الفصل المعرفي بين الحاكم والمحكوم عندما يصدر الوزير تصريحا بمعزل عن الواقع فإنه لا يكذب على الجمهور فحسب بل يمارس العبث بالثقة العامة الثقة هي رأس مال أي نظام سياسي وعندما تقدم الوعود غير القابلة للتحقيق تتحول التصريحات الرسمية إلى مادة للسخرية الرقمية وتفقد المؤسسات الحكومية آخر ما تبقى لها من مصداقية في عيون الشباب

استمرار تقديم المورفين الوهمي عبر وعود بالهجرة والعمل في الخارج هو بمثابة إعلان رسمي عن فشل الحكومة في توفير حلول داخلية والأسوأ من ذلك هو اعتراف ضمني بأنها غير قادرة على التعامل مع جيل يتمتع بوعي رقمي حاد كفى عبث وكفى استغباء للشعب المطلوب ليس تصدير الشباب إلى القارة العجوز بل ضخ استثمارات حقيقية في اقتصاد المعرفة المحلي وتحديث المناهج لإنتاج المهارات التي يحتاجها القرن الحادي والعشرون