د.عبدالله الطوالبة يكتب ...كابوس البطالة!

ليس أنكد على أي أسرة في الدنيا من أن يُضاف أبناؤها بعد التخرج في الجامعات، إلى أرقام ضمن أعداد العاطلين عن العمل. ولا شيء أكثر إيلاماً للنفس من فقدان الأمل. وما أصعب العيش لولا فُسحة الأمل، التي يبدو أنها أصبحت بحجم خرم الإبرة للكثيرين في ديارنا. وليس هناك غبن أشد وقعاً من تقلب "زيد" الأقلية في نعيم الإمتيازات، وفي المقابل، لم يعد يُنبَذ ل"عمرو" الأكثرية حتى بالفتات.
اعترف وزير العمل أخيراً، بالحقيقة المرة. 400 ألف عاطل عن العمل في الأردن. حتى لو كان هذا الإعتراف منقوصاً، فالرقم لا شك كبير، بل ومخيف في بلد يبلغ عدد مواطنيه 6,6 مليون نسمة. بحسبة بسيطة، تأخذ بنظر الاعتبار الطلبة على مقاعد الدراسة في الجامعات والمدارس، يضاف إليهم الأطفال وكبار السن والعجزة، هذا يعني ان كل بيت أردني يكابد همَّ البطالة.
ومع ذلك وعلى الرغم منه، يخرج علينا بين حين وآخر رويبضة متفيهق، يحاول يائساً بائساً تعليق أسباب تفاقم البطالة على شماعة "كورونا"، مع أن هذه المشكلة المؤرقة في الأردن متراكمة قبل ظهور الوباء بعقود. ولا يخلو الأمر من متشدق متحذلق، يثقل الأسماع برطانة باتت عن جد ممجوجة بخصوص أعداد الخريجين المتزايدة كل عام. بالمناسبة، التبرير، من صفات المسؤولين الفشلة، الذين يعملون لمصالحهم وليس في حساباتهم التفكير بحلول للتحديات الضاغطة، وليس لديهم الكفاءة اللازمة لذلك أصلاً. هؤلاء، ليسوا أهلاً لتحمل المسؤولية وبناء الدول.
على صعيد الخريجين، فهم يتلقون تعليمهم في جامعات أردنية، وليس الأردن وحده من يوجد فيه جامعات تُخرج طلاباً يبحثون عن فرص عمل بعد التخرج. ولا يوجد ما يمنع من إعادة النظر بتدريس التخصصات التي لم تعد مطلوبة لسوق العمل، والتركيز على تأهيل الطلبة بالمهارات الضرورية. كما أننا نعيش حاضراً، ينماز بسهولة التعلم وتوفر المعلومات لمن يريد الإفادة من تجارب المتقدمين، ويمتلك ارادة الفعل.
في اليابان مثلاً، وضمن الجهود المنسقة عالية الكفاءة للتشغيل، أنشأوا برامج دعم مالي للشركات التي توظف الفتيات. وفي الهند، يتم التركيز على تنمية مهارات القوى العاملة في معاهد للتدريب الصناعي، أُنشئت لهذه الغاية. وفي الدنمارك، يستخدمون ما يُعرف عندهم بنظام الدوران الوظيفي لحماية شعبهم من خطر البطالة واستثمار طاقات شبابهم. يقوم هذا النظام على استبدال متعطل عن العمل بالعامل المتغيب، ولو لفترة مؤقتة، بالإضافة إلى توفير فرص عمل في المشروعات الخدمية. أما تجربة فنلندا، فتستحق الدراسة للإفادة منها. فالتركيز هناك على تشجيع الاستثمار بالفعل وليس بالإنشاء والضحك على الذقون. ويعضد ذلك، في سياقات منظومة متكاملة لدرء خطر البطالة، دعم المشروعات التي توفر فرص عمل وتخفيض الضرائب عليها، وإكساب العاطلين عن العمل مهارات مطلوبة في السوق، وتنفيذ ما يسمونها برامج التدريب التحويلي في مجالات الإلكترونيات والإتصالات والكهرباء بخاصة.
مقصود القول، من يمتلك إرادة الفعل الواعي المعزز بالمعلومة، الميدان أمامه متراحب على مدِّ البصر طولاً وعرضاً، في عصر الفضاء المفتوح. أما ترك خطر البطالة يتفاقم، على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي والتحجج بذرائع لإبراءِ الذمة، فعواقبه المنتظرة مرعبة. ولقد أصبح من السماجة الزائدة عن الحد، إشهار السؤال: ما الحل؟! ، هاتوا حلولاً. في الرد نقول، الحلول ممكنة، وقد أشرنا إلى تجارب بعض الدول. ونضيف إليها ما نعتبره واضحاً، كما الشمس في كف الضحى، فهل سيؤخذ بها؟! وهاكم عناوينها الأفقع ومنها: السفرات المكلفة جداً وقد أوقفها "كورونا" مشكوراً ولو مؤقتاً، والرواتب الفلكية مقابل ماذا لا ندري، ناهيك بالفساد، الذي نُشِر غيض من فيضه في تقارير ديوان المحاسبة. تحدث هذه الموبقات، في بلد يعيش على جيوب مواطنيه وعلى المساعدات.
معدل البطالة في الأردن يوالي ارتفاعه، والمشكلة تتعمق بتداعيات" كورونا" وتدق بدل ناقوس الخطر ناقوسين، وربما أكثر.
لا أريد الدخول في جدل يتعلق بالأسباب وبالسياسات الاقتصادية، لكن الحقيقة المرة الشاخصة أمامنا تشير إلى سياسات فاشلة، حيث العبرة دائماً في النتائح. كما أن البطالة في أي مكان في الدنيا، تعني ان الاقتصاد المعني بات عاجزاً عن خلق فرص عمل. وفي المقابل، أشرنا إلى دول حاصرت البطالة في حدودها الدنيا، بعضها لا يمتلك موارد اكثر مما يتوفر في بلادنا. إذن، المشكلة في السياسات أولاً وأخيراً، بمعايير النجاح والفشل. وصدق من قال، لا يوجد دول غنية ودول فقيرة، بل هناك حكومات ناجحة وحكومات فاشلة.
مختصر القول ومرُّهِ، البطالة كابوس تخيف الأردنيين عواقبه، لارتباطه الوثيق بتوسع الفقر وتلاشي الطبقة الوسطى أساس تماسك الهرم الإجتماعي!



















