+
أأ
-

د.عبدالله الطوالبة يكتب ..لماذا يتفشى النفاق في مجتمعاتنا؟!

{title}
بلكي الإخباري



يكفي تصفح مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الورقية لمدة ساعة، وقضاء مثلها في متابعة الإعلام المرئي والمسموع، ولا بأس من تمضية ساعة اضافية في مناسبة اجتماعية، للتأكد من  طغيان النفاق في مجتمعنا. وهناك من الأدلة ما يكفي للقول بأن هذه الظاهرة البذيئة والسيئة المسيئة، متفشية في واقعنا العربي، بل تجاوزت حدود المعقول. وقد يتولد انطباع لدى المتأمل في بعض صورها وتجلياتها، أن النفاق انحسر عن الكرة الأرضية ليتكوم كُلُّهُ في العالم العربي.
رجل دين معروف كداعية إسلامي، شغل في مصر الشقيقة منصب وزير أوقاف، هو محمد متولي شعراوي، وقف يوم 30 آذار عام 1978 في مجلس النواب ليقول موجهاً الكلام إلى الرئيس الراحل أنور السادات :"والله لو كان الأمر بيدي، لوضعتك في مقام لا تُسأل فيه عما تفعل"٠ وللتذكير، فقد قيل هذا الكلام للرئيس السادات في العام الذي شهد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
حديثاً، قيل كلام أكثر انحطاطاً بحمولته من النفاق والتملق لرئيس مصري آخر راحل أيضاً، هو محمد مرسي. فقد خاطبه "أحدهم" قائلاً :" رأيتك في الحلم انت ورسول الله ذاهبين إلى الصلاة، فقال رسول الله لك: صَلِّي بنا يا مرسي"٠ وقد تم نفث هذا النفاق المعيب الموغل في انحطاطه علناً، على شاشات التلفزة المصرية. وكل من يقرأ هذه السطور، لا بد سيقف مشدوها أمام وقاحة النفاق في التجرؤ حتى على الدين لحساب الجالس على كرسي الحكم. ومن مصر إلى العراق، حيث يتذكر كل من لا تزال ذاكرته على قيد الفاعلية، كيف صوت كثيرون بالدم للرئيس الراحل صدام حسين، ذات انتخابات كانت نتيجتها 100%. وبعد احتلال العراق عام 2003، ذكر الرئيس صدام نفسه، خلال واحدة من جلسات محاكمته الهزلية، أن عراقياً دَلَّ الأميركيين على المكان الذي كان متخفياً فيه. ربما كان ذاك الشخص ممن صوتوا للرئيس بالدم، أو  دفع من استطاع من الناس إلى فعل ذلك. ومن العراق إلى سوريا، لنستحضر هتاف ذاك "المحترم" للرئيس بشار الأسد، وقوله :" ظلمناك عندما انتخبناك رئيساً لسوريا، لأنك تستحق أن تحكمَ العالم".
صور للنفاق وتجليات، نظن أن مثلها وربما أكثر منها انحطاطاً، يتكرر باستمرار على امتداد الجغرافيا المسماة بالوطن العربي.
بمعايير الحاضر وبمقاييس القيم والأخلاق، لا يمكن أن يحدث ذلك في مجتمعات ناضجة سياسياً ذات ثقافة سليمة وأنماط تفكير سوية.
ولكن للموضوعية والحقيقة العلمية، لا يوجد شعب منافق بطبعه، ولا يولد الإنسان منافقاً. النفاق كظاهرة اجتماعية، غير منفصل عن السياق السياسي الاجتماعي القائم.  ففي الدول الديمقراطية، لا يضطر المواطن للنفاق. العدالة هناك تسير على قدمين، والقوانين مطبقة على الجميع، والحقوق مصونة. ولا أحد يخشى قول كلمة الحق "أمام سلطان جائر"، مع انه لا وجود لمثل هذا السلطان في تطبيقات الديمقراطية الحقيقية وأعرافها.
أما في ظل الاستبداد، حيث يتفشى الفساد بالضرورة، فلا غرابة أن ينتشر النفاق والتباري في تمجيد أهل السلطة وتملق الأعلى نفوذاً. وفي وسائل الإعلام، تضمحل الكتابات وتتلاشى الآراء التي تحترم العقل. ويتم التغني بانجازات وهمية من صنع المنافقين. هنا، حيث القمع والقهر، سلطات مطلقة يمارسها كل رئيس على مرؤوسيه. لذا يخشى كثيرون قول الحقيقة، ويصبح الانبطاح والتذلل وإنسحاق الشخصية، ثقافة عامة.
في سياق سياسي اجتماعي لا عدالة فيه، لا يتحقق النجاح بالكفاءة والإخلاص في العمل، بل برضا السلطات وذوي النفوذ. وليس بالإبداع والنبوغ يتفوق الإنسان، بل بالواسطات والمحسوبيات. في واقع كهذا، يضطر الشخص لارتداء أقنعة النفاق، ليأسه من تحقيق العدالة ولعلمه ان القوانين لا تطبق إلا على الضعفاء والغلابى. وفي المحصلة، تسود صيغ التملق والاستجداء والكذب على حساب العقل والوعي، ويصبح النفاق وسيلة للصعود في السلَّمِ الوظيفي وتحقيق المكاسب والامتيازات. وبذلك، يعطل النفاق قانون الانتخاب الاجتماعي، ويحرم المجتمع من فرص النهوض والتطوير.
النفاق في مجتمعاتنا العربية، عَرَضٌ لمرض أعم وأشمل اسمه الاستبداد. ومن طبائع الاستبداد، إفساد الأخلاق. حيث يسود الاستبداد، الدناءة لطف والنذالة دماثة والنفاق سياسة.
الإستبداد يخشى الأخلاق الرفيعة والقيم النبيلة، لأنها لا تتعايش مع الظلم ولا تتساكن مع الفساد ولا تطيق خنق الحريات وتتأبى على قهر الإنسان. لذا يعمد إلى زرع الخوف والجبن في نفوس المواطنين،  وجعل رجال الدين منافقين، والمثقفين متسلقين انتهازيين، والموظفين أذلاء ومرتشين.
مقصود القول، النفاق من الآفات الاجتماعية التي تنتعش في مناخات الاستبداد وتتفشى، لكنه مهما استشرى وآضَ انتهازاً، فإنه ظاهرة منحطة وسلوك خسيس!