+
أأ
-

د.عبدالله الطوالبة يكتب ..التعمية والتغريب باستخدامات الستيريوتيب!

{title}
بلكي الإخباري



الإعلام في أحد أهم تعاريفه، هو فن استخدام الكلمة وكيفية توظيفها. ولقد تأسس هذا التعريف على ركائز عدة أهمها، أن الرسائل الإعلامية هي إعادة تقديم للواقع والعالم في بناء لغوي، بمعايير سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. هذا يعني، أن لكل من أشكال التعبير مغزى وسبب، حيث تتعدد طرائق التعبير عن الشيء الواحد في وسائل الإعلام بناءً على الأهداف المُتَغَيَّاة والمنطلقات الفكرية لمنتجي الخطابات الإعلامية.  وعليه، فإن أحد أهم معايير الحكم على أهداف الإعلام ومنهجية عمله، يكمن في وضع ما يستخدم من تعابير ومصطلحات تحت مجهر الملاحظة، واخضاعها للدرس اذا استدعت الضرورة. بهذا المعيار، بمقدورنا تبين الدليل الفاقع الفاصل بين التوعية والتثقيف أو التعمية والتضليل، في أداء الإعلام. هنا، نجد أنفسنا أمام أحد أهم أهداف الإعلام وأخطرها، ويتمثل في بناء ما يُعرف بالصور النمطية(ستيريوتيب) كصور ذهنية تحمل دلالات رمزية للتأثير في المتلقي، لجهة تشكيل إدراكه وصياغة وعيه. الصور النمطية، وثيقة الصلة باستجابة المتلقي في الإتجاهين السلبي والايجابي، لتأثيرها الفاعل في إدراك الإنسان للأشياء والأحداث، وفي حكمه على الأشخاص أيضاً. اليوم، ونتيجة لما يتوفر عليه الإعلام الحديث من تقنيات متطورة، فقد تضاعفت قدراته في تكوين الصور النمطية في الأذهان، بكل ما يترتب على ذلك من تأثيرات في استجابات المتلقين، وخاصة إزاء القضايا والصراعات السياسية.
وفي إسقاط ذلك على وسائل الإعلام العربية بمختلف أنواعها، فسنجد من التعابير والمصطلحات ما تحول إلى صور نمطية يثير استخدامها التساؤل في أحسن الحالات، أو الشك والريبة في أسوئها. من هذه التعابير، "أميركا وحلفاؤها العرب". بالطبع، المقصود هنا، النظم السياسية العربية الموصوفة عادة بالمحافظة والاعتدال. هذا التعبير، يستبطن إهانة ل"حلفاء أميركا العرب"، سواء قَصَد مستخدموه ذلك أم لم يقصدوه. لماذا وعلى أي أساس نقول ذلك؟!
أميركا، لأسباب تتعلق بنشأتها والأسس التي عليها انبنت لتكون أقوى دولة في التاريخ الإنساني حتى اللحظة، تحترم الأقوياء وتهابهم. أما الضعفاء، فهم ليسوا سوى أرقام في بورصة حساباتها السياسية. هكذا هي عقلية راعي البقر الأميركي، وعلى هذا الأساس تشكلت المعادلة القائلة: "من الخطير ان تكون عدواً لأميركا، ولكن الأخطر ان تكون صديقاً". ولقد رأى العالم كيف تخلت أميركا عن "حليفها" شاه عام 1979 عندما ثار شعبه ضده، وعن عدد من "حلفائها" العرب بعد اندلاع شرارة ما يُعرف بالربيع العربي عام 2011. لا أصدقاء لأميركا، بل مصالح.  هذا هو شان العقل السياسي البراغماتي الأميركي. في النتيجة، أميركا تخشى الأقوياء مثل روسيا والصين وتعاملهم بندية كخصوم منافسين، أما الضعفاء فهم اتباع بمسمى حلفاء.
وننتقل الآن إلى تعبير آخر متجذر استخدامه في الإعلام العربي، ونقصد "الشرق الأوسط". لقد بدأ استخدام هذا التعبير منذ عام 1850، من قبل القادة العسكريين الإنجليز والأوروبيين لتحديد منطقتنا المستهدفة بالأطماع الاستعمارية ولتأكيد مركزية أوروبا. في العقود الأخيرة، وعلى وجه التحديد، بعد مؤتمر مدريد عام 1991 لما يُعرف بعملية السلام، أخلى تعبير" الشرق الأوسط" الساحة لشقيقه "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". أقول شقيقه، لأن التعبيرين ذات منشأ غربي، ويشتركان في هدف واحد هو طمس الهوية العربية للمنطقة. ومع ذلك، لا تني وسائل الإعلام العربية تستخدمهما من دون تدبُّر وبلا تبصُّر، متعامية عن الصورة النمطية المباطنة لهذا الإستخدام.
ومن المعروف ان المقصود بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى الدول العربية، تركيا وايران والكيان. 
ويثير الشك أيضاً، اصرار وسائل إعلام عربية عديدة على استخدام تعبير "مستوطنات" مع أن الصحيح "مستعمرات". التعبير الأول من استوطن، والأصل وطن، بكل ما لذلك من معاني تحيل الذهن إلى العادي من الأمور. أما تعبير مستعمرات، فعدا عن اشتماله على حقيقة ما يجري من استيلاء على الأراضي الفلسطينية، فإنه يستحضر معاني الاحتلال واغتصاب الحقوق بالقوة.
في السياق ذاته، نشير إلى حيرة معظم وسائل الإعلام العربية بين تعبيري الصراع والنزاع، في وصف العلاقة مع الكيان. ففي وسيلة الإعلام الواحدة، مقروءة، أو مسموعة، أو سمعبصرية، يمكن أن نقرأ ونسمع تعبير الصراع العربي الاسرائيلي، والنزاع العربي الاسرائيلي. وأسوأ من هذين التعبيرين، الصراع أو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي توضيح الفرق بين الصراع والنزاع، فالأول محمل بدلالات الخصومة بين طرفين، معتدٍ ومعتدىً عليه.  وقد يستغرق الحل وقتاً، ينتهي بنهاية احد الخصمين إما بهزيمة في الميدان أو لأي سبب آخر. أما النزاع، فهو مجرد اختلاف لسبب ما بين طرفين، يحظى كل منهما بالقدر ذاته من الشرعية.
نكتفي بهذا القدر من الأدلة، لتأكيد مقصود قولنا وتبيين ما نرمي إليه.
نفترض حسن النية والغفلة، في القائمين على الإعلام العربي. لكن الطريق إلى التجهيل قد يكون مفروشاً بحسن النية، والغفلة يمكن تَفَهُّم حصولها لبعض الوقت وليس طول الوقت.
لم يعد ممكناً التعامي عن استخدام تعابير ومصطلحات تحولت إلى صور نمطية تشوه وعي الإنسان العربي تجاه  قضاياه، وتُراكِم نسقاً معرفياً يُسهم في تغريبه عن هوية جغرافيته.





ً