رلى سمّاعين تكتب ... التسول ظاهرة خطيرة

هل وصلتك رسالة من وزارة التنمية الاجتماعية تنذرك من التعاطف مع المتسولين؟ وصلتني الرسالة أكثر من مرة. هذا الاصرار على نشر الوعي على التعامل مع هذه الظاهرة بعقلانية ومنطق هو الذي دعاني لكتابة هذه المقالة.
قبل أيام، خرجنا وأصدقاء لنا من مطعم مساءً، وفي الخارج كانت فتاة صغيرة بالعمر والحجم واقفة على الرصيف تستعطي، عمرها لا يتعدى التسع سنوات. اقتربت مني، تمتمت بصوتها الصغير كلمات غير مفهومة، فاردة يدها الصغيرة. من دون تردد إقتربت منها، وسألتها «لماذا أنت وحدك بالليل حبيبتي، أين والدتك لاخدك اليها.»
أشاحت بوجهها بخوف ونظرت إلى ناصية الشارع، وبنفس اللحظة تحرك خيال رجل بسرعة من طرف معتم بزاوية الرصيف، قطع الشارع، وخطى بخطوات ثابتة وسريعة بعيداً عنا وتظاهر وكأن الامر لا يعنيه. عرفتُ بأنه بصلة مع الفتاة الصغيرة، لان عينيها الصغيرتين لم تفارقانه وفيهما نظرة خوف وكأنها تقول «لا تتركني».
بقيت معها أحاول أن أسألها إذا الرجل هو قريبها. جاء المسؤول عن خدمة الاصطفاف وأعلمني بأن شخصاً ما سوف يأتي ليأخذها، وأنهم ( لا يعرف هوية أحدهم) لن يتركونها وحيدة. وبأن هذا الامر يتكرر كل ليلة تقريباً.
البارحة مساء أيضاً إقتربت مني متسولة وبين يديها طفل يترنح . الطفل ليس بنائم، ولكنه ليس صاحياً أيضاً. اقتربت المتسولة من السيارة وقالت الجمل نفسها التي نسمعها من بقية المتسولين. قلت لها «سوف أطلب الشرطة الان لان ما تفعلينه هو مخالف للقانون، أما إذا كنت بحاجة إلى مساعدة فهم قادرون على مساعدتك»، وما أن أكملتُ الجملة، حتى خطت المرأة خطوات سريعة واختفت بأحد الازقة.
التسول ظاهرة خطيرة، وسيف ذو حدين. هو نوع آخر من الاتجار بالبشر، والمسيطر على هذه العملية شخص متطفل وبلا حنو، قاسي القلب، شرس وجشع، يعمل على استغلال خليقة الله من الضعاف من النساء والاطفال بالغالب، يسلب منهم قيمة وطعم الحياة لغاياته الخاصة وأطماعه.
هذا عادة يكون عنده طاقماً كاملاً يعملون لديه، وهم بالمقابل يعملون على تدريب النسوة والاطفال على التمثيل بالتصرف والكلام لاستعطاف الناس، ويتم استغلال الاطفال والنساء بالخوف وبكل الطرق الممكنة، وبكل الاوقات بغض النظر عن الحر والبرد، الليل أو النهار ، لخداع الاخرين بغية النيل من أموالهم.
والخطر الاخر الذي يتساوى بالمقدار هو قدرتهم على استغلال المجتمع عاطفياً قبل استغلاله مادياً، لان المجتمع يتجاوب مع إمرأة تحمل طفلاً صغيراً بيدها وتستعطي ، ومع طفل يجول بين السيارات، ويتجاوب بكامل عواطفه ومشاعره دون التوقف لحظة للتفكير، لان في عقلنا الباطني نعتقد بأننا نمد يد المساعدة للمحتاج والفقير كما أمرنا الله. بينما وبالحقيقة يُستغل المجتمع، ويتم الاستهتار بالقوانين علناً وبضوء النهار، لاننا جميعاً نعلم بأن التسول ممنوع قانونياً.
لماذا لا نسيطر على هذه الظاهرة باعطائهم-المتسولين- وظيفة معينة أي مقابل أخر ، وهكذا نخفف من العمالة الوافدة؟ الجواب بسيط لان غالبية المتسولين ينتمون إلى عصابة غنية مادياً. وكم سمعنا من متسولين حسابهم البنكي من خمس أو ستة ارقام، وعندهم أراضٍ وسيارات وعقارات. مشكلتهم بأنهم فقراء روحياً وعاطفياً، وهذا مخفي لديهم.
وأما العطاء الذي به ندعم بعضنا البعض ونسد ثغرات الحاجة لمن حولنا الذين عندهم إحتياج للدعم المادي أو المعنوي هو في غاية الاهمية، ويكون عن طريق مؤسسات مجتمعية معتمدة أو عن طريق المؤسسات الدينية، لان غاية العطاء هو المساعدة، على أن يكون على مستوى عال من السرية واحترام خصوصية المُعطى له، وأما الخطوة الاولى للعطاء فتبدأ من أهل بيتك.



















