+
أأ
-

رامون والفلسطينيون وقصور التخطيط الحكومي 

{title}
بلكي الإخباري

المهندس معاذ المبيضين









يتراوح عدد المسافرين الفلسطينيين الذين يتنقلون عبر جسر الكرامة "الملك حسين" ما بين 2.5-3 مليون مسافر سنويًا، يستخدم مليونان منهم تقريباً مطار الملكة علياء للسفر إلى وجهات مختلفة حول العالم وهو ما يمثل 22% من اجمالي اعداد المسافرين من خلال المطار، وهنا يكمن القلق الحكومي من تشغيل رامون لنقل المسافرين الفلسطينيين وأثره الاقتصادي السلبي على بلد كالأردن. ففي عام 2019 بلغت عائدات مجموعة المطار الدولي – الشركة المشغلة لمطار الملكة علياء – حوالي 200 مليون دينار يعود منها للحكومة ما نسبته 54.64% كعائدات مباشرة وفق اتفاقية البناء والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T) الموقعة مابين المجموعة والحكومة، تكافئ ما مقدارة 2.5 مليار دينار كعوائد غير مباشرة، وتحفيزية، ومستحثة على الناتج المحلي الاجمالي.
القرار الاسرائيلي والمفاجئ سواء للحكومة الأردنية او الفلسطينية يحتمل سببين، الأول هو وضع حرية وسهولة سفر الفلسطينيين في مواجهة اعتراض الأردن على تشغيل مطار رامون كمحاولة اقتصادية بحته مبنية على استغلال التعاطف الاردني مع الاشقاء الفلسطينيين، لإنعاش مطار رامون والذي كلف إنشاؤه قرابة 1.7 مليار دولار، ولم تتمكن إسرائيل من تشغيليه لإعتراض الأردن عليه لدى منظمة الطيران العالمية لمخالفته البروتوكولات الخاصة ببناء المطارات من ناحية المسافة الواجب المحافظة عليها بين المطارات لقربه الكبير من مطار الملك حسين الدولي بمدينة العقبة. اما السبب الثاني، فهو سياسي اقتصادي يهدف الى تشديد الخناق على الأردن اقتصادياً لمواقفه الصامدة تجاه القضية الفلسطينية وخصوصاً فيما يتعلق بمدينة القدس والوصاية الهاشمية عليها، وهو ما يبررالامتيازات التي تقدمها إسرائيل للفلسطينيين للسفر من خلال مطار رامون.
الأردن لا يملك الترف الاقتصادي بالتغاضي عن اعتراضه على تشغيل مطار رامون، إلا أنه يجب أن لا يتجاهل تصريح رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، والذي قال فيه "إن إسرائيل إذا أرادت التسهيل على الفلسطينيين فلتفتح أمامنا مطار القدس" والمقصود هنا مطار قلنديا المهجور والواقع في الجزء الشمالي من الضفة الغربية المحتلة، والذي أغلق عام 2000.
تشغيل مطار رامون وإنتفاض الحكومة تجاهه، يوكد غياب سياسات ادارة المخاطر وحوكمتها، وقصور بالتخطيط الاستراتيجي للدولة، وتبنينا لمبدأ رد الفعل في التعامل مع التحديات بدلا من التخطيط الاستباقي للتعامل معها. فكيف لدولة تتبنى وتحارب من أجل حق قيام الدولة الفلسطينية، تسقط من حساباتها الاقتصادية تشغيل مطار خاص بالفلسطينيين في حال قيام تلك الدولة، او اتفاق اسرائيلي فلسطيني على تشغيل مطار قلنديا.
من حق الفلسطينيين كسائر شعوب العالم اختيار خط سير السفر الأوفر مادياً والأكثر راحةً والأقل جهداً، وهو ما لا يمكن أن يقابل بفرض إجراءات غير عادلة من قبل السلطة الفلسطينية تجاه مواطنيها المسافرين من مطار رامون، في مجاملة مؤقته للأردن سرعان ما ستتخلى عنها السلطة تحت ضغوط شعبية، وإن كان هناك تيار فلسطيني رافض لفكرة السفر من خلال اسرائيل.
الأردن لا يملك إلا خيار واحد مبني على منطق استقطاب وتشجيع الاشقاء الفلسطينيين بالسفر من خلال جسر الملك حسين ومطار الملكة علياء، وذلك بتسهيل حركة المسافرين من خلال الجسر بزيادة الطاقة الاستيعابية لحركة المسافرين، وتحسين جودة خدمات العبور من خلاله، والتفاوض مع إسرائيل على زيادة ساعات العمل من الحد المقابل، وإقراره لحزمة تشجيعية تعفي المسافرين من رسوم عبور الجسر والحقائب على الأقل لكل من يملك تذكرة سفر موثقة الكترونياً عبر مطار الملكة علياء.
الأهم من كل ذلك أن تعي الحكومة الأهمية الاستراتيجية لموقع مطار الملكة علياء، وضرورة دعم شركات الطيران المحلية لتشكل جسراً جوياً ما بين الشرق والغرب، مستثمرة بالموقع الجغرافي وسياسة الأردن الخارجية المعتدله، والتي تسمح لشركات طيراننا بعبور جميع أجواء الدول المجاورة دون اية قيود، واستغلال التصميم الذكي لسقف المطار والذي جاء على شكل خيم بدوية ووحدات منفصلة تسمح بالتوسع المستقبلي لزيادة الطاقة الاستيعابية، وهو ما يمكن أن يعتبر أحدد ممكنات التمكين الاقتصادي للأردن ليكون المطار احد اهم محطات النقل الجوي على مستوى الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ففي عام 2019، استقبل مطار الملكة علياء 8.9 مليون مسافر ما يشكل 74% من طاقة المطار القصوى، مسجلاً نسبة نمو بـ 26% خلال الفترة ما بين 2015-2019 متفوقاَ بذلك على كل من مطارات الدوحة ودبي وأبو ظبي بمعدل نمو سنوي مركب مقداره 4.7%.





بقلم
م. معاذ المبيضين