هشام عودة
واحد من الذين ينطبق عليهم القول “من شابه اباه” ، فالدكتور نبيل الشريف ، المولود في مدينة العريش عام 1952 ، سار على خطى والده الراحل ابي شوقي ، وجلس في اكثر من موقع على الكرسي ذاته الذي جلس عليه والده من قبل ، خاصة في قيادة وزارة الاعلام ، وفي رئاسة تحرير جريدة الدستور.
في عام 2003 ، وفي واحدة من اكثر المراحل سخونة وحراكا في الحياة السياسية الاردنية ، التي رافقت العدوان على العراق واحتلاله ، اختاره المهندس علي ابو الراغب ليكون وزيرا للاعلام ، وناطقا باسم الحكومة ، فغادر الدستور الجريدة ليقيم في مبنى الوزارة في الدوار الثالث ، مستنفرا كل لباقته وكياسته وثقافته لتقديم تفسيرات يحرص ان تكون مقنعة ، للداخل والخارج ، وباللغتين العربية والانجليزية ، حول موقف الحكومة من مستجدات الوضع الاقليمي التي فرضها احتلال العراق وتداعياته السياسية والامنية على المنطقة ، ليختاره مجددا المهندس نادر الذهبي وزيرا للاعلام والاتصال في حكومته في شباط 2009 ، ومن المؤكد ان ابا طارق قد استحضر في كثير من اللحظات الحاسمة شخصية ابي شوقي ، وهو يجلس في وزارة الاعلام ، او وهو يقود مسيرة اقدم الصحف اليومية الاردنية.
بعد مغادرة الدكتور نبيل الشريف مبنى الوزارة اثر استقالة حكومة المهندس علي ابو الراغب ، لم تعمر وزارة الاعلام طويلا ، اذ تم الاستغناء عن خدماتها في عهد حكومة الرئيس فيصل الفايز ، ليكون الدكتور نبيل الشريف اخر وزير للاعلام ، وليبدأ عمله بعد ذلك سفيرا مقيما في الرباط ، وسفيرا غير مقيم في عدد من دول جوار المملكة المغربية ، قدم فيها نموذجا للدبلوماسي المثقف الذي ترك بصماته في الحياة الثقافية والاعلامية في تلك البلاد.
الاقامة في “بلاط صاحبة الجلالة” ظلت تمثل هاجسا حقيقيا لدى الاكاديمي والدبلوماسي ، الذي تفتح وعيه في بيت كان يتم تصنيف صاحبه بانه احد شيوخ الصحافة في الاردن ، وهو الاب الذي ترك بصمات واضحة في مسيرة الاعلام ، داخل الاردن وخارجه ، فبعد ان انهى الدكتور نبيل الشريف دراسته الجامعية في الولايات المتحدة ، وعاد بشهادة الدكتوراه في الادب الانجليزي ، بعد ان حصل على الشهادة الجامعية الاولى من جامعة الكويت ، وضع قدما في الجامعة ، حيث عمل مدرسا في جامعتي اليرموك والاردنية ، فيما حافظ على بقاء القدم الاخرى في الدستور ، ولم تستطع الوجاهة الاجتماعية التي تحيط بالاستاذ الجامعي سحبه من محيط مهنة المتاعب ، التي كان يرى فيها ما يفجر الكامن من طاقاته الابداعية ، فعمل مشرفا على الملحق الثقافي الذي سعى من خلاله لتكريس تقاليد ثقافية راسخة في المشهد المحلي ، قبل ان يتسلم عام 1993 رئاسة تحرير الجريدة التي فضلها على كثير من المواقع الوظيفية الرسمية الاخرى.
وحين صار الاختيار ضروريا ، بين ان يظل الدكتور نبيل الشريف سفيرا في وزارة الخارجية او العودة الى رئاسة التحرير ، اختار على عجل الاقامة مع “حبيبته الاولى” في بيت وظيفته الاول ، ولم يكن تقديم استقالته من الخارجية مفاجئا لاصدقائه او الذين عملوا معه ، رغم معرفتهم ان حجم الرفاهية وراحة البال في حياة الدبلوماسيين اكثر كثيرا مما قد يتوفر للاخرين في شارع الصحافة.
الرجل الثالث في عائلته الصغيرة ، بعد والده وعمه ، الذي يحمل لقب معالي ، ويعتقد العارفون باسرار اللعبة السياسية في الاردن انه ربما لن يكون الاخير ، فعائلته تركت بصمات واضحة في ميدان السياسة والاعلام ، ما تزال منظورة امام الجميع.
تسرقه اهتماماته الثقافية والاعلامية كثيرا من مكتبه في الجريدة ، فصار طبيعيا ان يتلقى الدكتور ابو طارق دعوة لالقاء محاضرة او المشاركة في مؤتمر ، داخل البلاد وخارجها ، وهو حاضر باستمرار بسبب الخبرة المتراكمة التي جناها من عمله الاعلامي والاكاديمي والدبلوماسي ، وصار مهيئا لتقديم مشورته في اي وقت ، ساعده في ذلك اتقانه للغة الانجليزية ، التي قدم من خلالها اول موسوعة مترجمة للعربية من الادب الاميركي.
الدكتور ابو طارق ، متعدد الالقاب والاهتمامات ، فبالاضافة الى كونه صحفيا ومحللا سياسيا ، فهو اديب ايضا ، يكتب للصغار والكبار ، وله اصدارات مطبوعة تشير الى الجانب الابداعي من حياته الثقافية التي “سرقت” الصحافة بعض حواشيها.
التقى العديد من زعماء العالم وحاورهم بلغة الخبير العارف بالاسرار ، ويحمل عددا من الاوسمة التي استحقها عبر مشواره المهني الذي ما زال طويلا.
لا خصومات واضحة في حياة ابي طارق ، وهو يعتقد ان وجوده في مكتب رئيس تحرير اقدم الصحف اليومية الاردنية ، يوفر له من الحضور والفعل والوجاهة ، ما قد لا توفره له كل المواقع الاخرى ، لكنه غادر شارع الصحافة ليقيم في الدوار الرابع ناطقا رسميا باسم الحكومة.
ربما منعته ساعات دوامه الطويلة في جريدة الدستور من ممارسة بعض هواياته المفضلة مثل تربية الطيور والعناية بنباتات الزينة ، وربما لم ينتبه ابو طارق الى ان الرئيسين اللذين عمل معهما في الحكومة يحملان لقب “المهندس”.